يقول تعالى ذكره : والذين يرغبون إلى الله في دعائهم ومسألتهم بأن يقولوا : ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا ما تقر به أعيننا من أن تريناهم يعملون بطاعتك .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين ) يعنون : من يعمل لك بالطاعة فتقر بهم أعيننا في الدنيا والآخرة .
حدثني ، قال : ثنا أحمد بن المقدام حزم ، قال : سمعت كثيرا سأل الحسن ، قال : يا أبا سعيد ، قول الله : ( هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين ) في الدنيا والآخرة ؟ قال : لا بل في الدنيا ، قال : وما ذاك ؟ قال : . المؤمن يرى زوجته وولده يطيعون الله
حدثنا الفضل بن إسحاق ، قال : ثنا سالم بن قتيبة ، قال : ثنا حزم ، قال : سمعت الحسن فذكر نحوه .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، قال : قرأ حضرمي ( ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين ) قال : وإنما قرة أعينهم أن يروهم يعملون بطاعة الله .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا ابن المبارك ، عن فيما قرأنا عليه في قوله : ( ابن جريج هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين ) قال : يعبدونك فيحسنون عبادتك ، [ ص: 319 ] ولا يجرون الجرائر .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ، قوله : ( ابن جريج ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين ) قال : يعبدونك يحسنون عبادتك ، ولا يجرون علينا الجرائر .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : ( والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين ) قال : يسألون الله لأزواجهم وذرياتهم أن يهديهم للإسلام .
حدثنا محمد بن عون ، قال : ثنا محمد بن إسماعيل بن عياش ، قال : ثني أبي ، عن ، عن صفوان بن عمرو عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، عن أبيه ، قال : جلسنا إلى المقداد بن الأسود ، فقال : لقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم على أشد حالة بعث عليها نبي من الأنبياء في فترة وجاهلية ، ما يرون دينا أفضل من عبادة الأوثان ، فجاء بفرقان فرق به بين الحق والباطل ، وفرق بين الوالد وولده ، حتى إن كان الرجل ليرى ولده ووالده وأخاه كافرا ، وقد فتح الله قفل قلبه بالإسلام ، فيعلم أنه إن مات دخل النار ، فلا تقر عينه ، وهو يعلم أن حبيبه في النار ، وإنها للتي قال الله : ( والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين ) . . . الآية .
حدثني ابن عوف ، قال : ثني علي بن الحسن العسقلاني ، عن ، عن عبد الله بن المبارك صفوان ، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، عن أبيه ، عن المقداد ، نحوه .
وقيل : هب لنا قرة أعين ، وقد ذكر الأزواج والذريات وهم جمع ، وقوله : ( قرة أعين ) واحدة لأن قوله : " قرة أعين " مصدر من قول القائل : قرت عينك قرة ، والمصدر لا تكاد العرب تجمعه .
وقوله : ( واجعلنا للمتقين إماما ) اختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : معناه : اجعلنا أئمة يقتدي بنا من بعدنا .
ذكر من قال ذلك :
حدثني ابن عبد الأعلى بن واصل ، قال : ثني عون بن سلام ، قال : أخبرنا بشر بن عمارة عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، في قوله : ( واجعلنا للمتقين إماما ) يقول : أئمة يقتدى بنا .
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( واجعلنا للمتقين إماما ) أئمة التقوى ولأهله يقتدى بنا . قال ابن زيد : كما قال لإبراهيم : ( إني جاعلك للناس إماما ) . [ ص: 320 ]
وقال آخرون : بل معناه : واجعلنا للمتقين إماما : نأتم بهم ، ويأتم بنا من بعدنا .
ذكر من قال ذلك :
حدثني ابن بشار ، قال : ثنا مؤمل ، قال : ثنا ابن عيينة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : ( واجعلنا للمتقين إماما ) أئمة نقتدي بمن قبلنا ، ونكون أئمة لمن بعدنا .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( واجعلنا للمتقين إماما ) قال : اجعلنا مؤتمين بهم ، مقتدين بهم .
قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : معناه : واجعلنا للمتقين الذين يتقون معاصيك ، ويخافون عقابك إماما يأتمون بنا في الخيرات ، لأنهم إنما سألوا ربهم أن يجعلهم للمتقين أئمة ولم يسألوه أن يجعل المتقين لهم إماما ، وقال : ( واجعلنا للمتقين إماما ) ولم يقل أئمة . وقد قالوا : واجعلنا وهم جماعة ، لأن الإمام مصدر من قول القائل : أم فلان فلانا إماما ، كما يقال : قام فلان قياما وصام يوم كذا صياما . ومن جمع الإمام أئمة ، جعل الإمام اسما ، كما يقال : أصحاب محمد إمام ، وأئمة للناس . فمن وحد قال : يأتم بهم الناس . وهذا القول الذي قلناه في ذلك قول بعض نحويي أهل الكوفة . وقال بعض أهل البصرة من أهل العربية : الإمام في قوله : ( للمتقين إماما ) جماعة ، كما تقول : كلهم عدول . قال : ويكون على الحكاية كما يقول القائل : إذا قيل له : من أميركم ، هؤلاء أميرنا ، واستشهد لذلك بقول الشاعر :
يا عاذلاتي لا تردن ملامتي إن العواذل لسن لي بأمير
[ ص: 321 ]