يقول تعالى ذكره : فأرسل فرعون في المدائن يحشر له جنده وقومه ويقول لهم ( إن هؤلاء ) يعني بهؤلاء : بني إسرائيل ( لشرذمة قليلون ) يعني بالشرذمة : الطائفة والعصبة الباقية من عصب جبيرة ، وشرذمة كل شيء : بقيته القليلة ; ومنه قول الراجز :
جاء الشتاء وقميصي أخلاق شراذم يضحك منه التواق
وقيل : قليلون ، لأن كل جماعة منهم كان يلزمها معنى القلة ; فلما جمع جمع جماعاتهم قيل : قليلون ، كما قال الكميت :
فرد قواصي الأحياء منهم فقد صاروا كحي واحدينا
وذكر أن الجماعة التي سماها فرعون شرذمة قليلين ، كانوا ست مئة ألف وسبعين ألفا .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة : ( إن هؤلاء لشرذمة قليلون ) ، قال : كانوا ست مئة وسبعين ألفا .
قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله ، قال : الشرذمة : ست مئة ألف وسبعون ألفا .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا ، قال : ثنا يحيى بن واضح موسى بن عبيدة ، عن ، عن محمد بن كعب القرظي ، قال : اجتمع عبد الله بن شداد بن الهاد يعقوب وولده إلى يوسف ، وهم اثنان وسبعون ، وخرجوا مع موسى وهم ست مئة ألف ، فقال فرعون ( إن هؤلاء لشرذمة قليلون ) ، وخرج فرعون على فرس أدهم حصان على لون فرسه في عسكره ثمان مئة ألف .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ، عن ابن علية سعيد الجريري ، عن أبي السليل ، عن قيس بن عباد ، قال : وكان من أكثر الناس أو أحدث الناس عن بني إسرائيل ، قال : فحدثنا أن الشرذمة الذين سماهم فرعون من بني إسرائيل كانوا ست مئة ألف ، قال : وكان مقدمة فرعون سبعة مئة ألف ، كل رجل منهم على حصان على رأسه بيضة ، وفي يده حربة ، وهو خلفهم في الدهم . فلما انتهىموسى ببني إسرائيل إلى البحر ، قالت بنو إسرائيل . يا موسى أين ما وعدتنا ، هذا البحر بين أيدينا ، وهذا فرعون وجنوده قد دهمنا من خلفنا ، فقال موسى للبحر : انفلق أبا خالد ، قال : لا لن أنفلق لك يا موسى ، أنا أقدم منك خلقا ; قال : فنودي أن اضرب بعصاك البحر ، فضربه ، فانفلق البحر ، وكانوا اثني عشر سبطا . قالالجريري . فأحسبه قال : إنه كان لكل سبط طريق ، قال : فلما انتهى أول جنود فرعون إلى البحر ، هابت الخيل اللهب ; قال : ومثل لحصان منها فرس وديق ، فوجد ريحها فاشتد ، فاتبعه الخيل ; قال : فلما تتام آخر جنود فرعون في البحر ، وخرج آخر بني إسرائيل ، أمر البحر فانصفق عليهم ، فقالت بنو إسرائيل : ما مات فرعون وما كان ليموت أبدا ، فسمع الله تكذيبهم نبيه عليه السلام ، قال : فرمى به على الساحل ، كأنه ثور أحمر يتراءاه بنو إسرائيل . [ ص: 352 ]
حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسباط ، عن ، في قوله : ( السدي إن هؤلاء لشرذمة قليلون ) يعني بني إسرائيل .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : ( إن هؤلاء لشرذمة قليلون ) قال : هم يومئذ ست مئة ألف ، ولا يحصى عدد أصحاب فرعون .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ، قوله : ( ابن جريج وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنكم متبعون ) قال : أوحى الله إلى موسى أن اجمع بني إسرائيل ، كل أربعة أبيات في بيت ، ثم اذبحوا أولاد الضأن ، فاضربوا بدمائها على الأبواب ، فإني سآمر الملائكة أن لا تدخل بيتا على بابه دم ، وسآمرهم بقتل أبكار آل فرعون من أنفسهم وأموالهم ، ثم اخبزوا خبزا فطيرا ، فإنه أسرع لكم ، ثم أسر بعبادي حتى تنتهي للبحر ، فيأتيك أمري ، ففعل ; فلما أصبحوا قال فرعون : هذا عمل موسى وقومه قتلوا أبكارنا من أنفسنا وأموالنا ، فأرسل في أثرهم ألف ألف وخمس مئة ألف وخمس مئة ملك مسور ، مع كل ملك ألف رجل ، وخرج فرعون في الكرش العظمى ، وقال ( إن هؤلاء لشرذمة قليلون ) قال : قطعة ، وكانوا ست مئة ألف ، مئتا ألف منهم أبناء عشرين سنة إلى أربعين .
قال : ثني حجاج ، عن أبي بكر بن حوشب ، عن ابن عباس ، قال : كان مع فرعون يومئذ ألف جبار ، كلهم عليه تاج ، وكلهم أمير على خيل .
قال : ثني حجاج ، عن ، قال : كانوا ثلاثين ملكا ساقة خلف ابن جريج فرعون يحسبون أنهم معهم وجبرائيل أمامهم ، يرد أوائل الخيل على أواخرها ، فأتبعهم حتى انتهى إلى البحر ، وقوله : ( وإنهم لنا لغائظون ) يقول : وإن هؤلاء الشرذمة لنا لغائظون ، فذكر أن غيظهم إياهم كان قتل الملائكة من قتلت من أبكارهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ، قوله : ( ابن جريج وإنهم لنا لغائظون ) يقول : بقتلهم أبكارنا من أنفسنا وأموالنا . وقد يحتمل أن يكون معناه : وإنهم لنا لغائظون بذهابهم منهم بالعواري التي كانوا استعاروها منهم من الحلي ، [ ص: 353 ] ويحتمل أن يكون ذلك بفراقهم إياهم ، وخروجهم من أرضهم بكره لهم لذلك .
وقوله ( وإنا لجميع حاذرون ) اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الكوفة ( وإنا لجميع حاذرون ) بمعنى : أنهم معدون مؤدون ذوو أداة وقوة وسلاح . وقرأ ذلك عامة قراء المدينة والبصرة : " وأنا لجميع حذرون " بغير ألف . وكان الفراء يقول : كأن الحاذر الذي يحذرك الآن ، وكأن الحذر المخلوق حذرا لا تلقاه إلا حذرا ; ومن الحذر قول ابن أحمر :
هل أنسأن يوما إلى غيره إني حوالي وإني حذر
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مستفيضتان في قراء الأمصار متقاربتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ ، فمصيب الصواب فيه .
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، قال : سمعت الأسود بن زيد يقرأ : ( وإنا لجميع حاذرون ) قال : مقوون مؤدون .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا ، قال : ثنا يحيى بن واضح عيسى بن عبيد ، عن أيوب ، عن أبي العرجاء ، عن الضحاك بن مزاحم أنه كان يقرأ : ( وإنا لجميع حاذرون ) يقول : مؤدون . [ ص: 354 ]
حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسباط ، عن في قوله : ( السدي وإنا لجميع حاذرون ) يقول : حذرنا ، قال : جمعنا أمرنا .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن : ( ابن جريج وإنا لجميع حاذرون ) قال : مؤدون معدون في السلاح والكراع .
ثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج أبو معشر ، عن محمد بن قيس قال : كان مع فرعون ست مئة ألف حصان أدهم سوى ألوان الخيل .
حدثنا عمرو بن علي ، قال : ثنا أبو داود ، قال : ثنا سليمان بن معاذ الضبي ، عن عاصم ابن بهدلة ، عن أبي رزين ، عن ابن عباس أنه قرأها : ( وإنا لجميع حاذرون ) قال : مؤدون مقوون .