اختلف القراء في قراءة قوله ( ألا يسجدوا لله ) فقرأ بعض المكيين وبعض المدنيين والكوفيين " ألا " بالتخفيف ، بمعنى : ألا يا هؤلاء اسجدوا ، فأضمروا " هؤلاء " اكتفاء [ ص: 448 ] بدلالة " يا " عليها . وذكر بعضهم سماعا من العرب : ألا يا ارحمنا ، ألا يا تصدق علينا ; واستشهد أيضا ببيت الأخطل :
ألا يا اسلمي يا هند هند بني بدر وإن كان حيانا عدا آخر الدهر
فعلى هذه القراءة اسجدوا في هذا الموضع جزم ، ولا موضع لقوله " ألا " في الإعراب . وقرأ ذلك عامة قراء المدينة والكوفة والبصرة ( ألا يسجدوا ) بتشديد ألا بمعنى : وزين لهم الشيطان أعمالهم لئلا يسجدوا لله " ألا " في موضع نصب لما ذكرت من معناه أنه لئلا ( ويسجدوا ) في موضع نصب بأن .
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مستفيضتان في قرأة الأمصار قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء مع صحة معنييهما .
واختلف أهل العربية في وجه دخول " يا " في قراءة من قرأه على وجه الأمر ، فقال بعض نحويي البصرة : من قرأ ذلك كذلك ، فكأنه جعله أمرا ، كأنه قال لهم : اسجدوا ، وزاد " يا " بينهما التي تكون للتنبيه ، ثم أذهب ألف الوصل التي في اسجدوا ، وأذهبت الألف التي في " يا " ; لأنها ساكنة لقيت السين ، فصار ألا يسجدوا . وقال بعض نحويي الكوفة : هذه " يا " التي تدخل للنداء يكتفى بها من الاسم ، ويكتفى بالاسم منها ، فتقول : يا أقبل ، وزيد أقبل ، وما سقط من السواكن فعلى هذا .
ويعني بقوله : ( يخرج الخبء ) يخرج المخبوء في السماوات والأرض من غيث في السماء ، ونبات في الأرض ونحو ذلك .
وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، وإن اختلفت عبارتهم عنه . [ ص: 449 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا ابن المبارك ، عن ، قراءة عن ابن جريج مجاهد : ( يخرج الخبء في السماوات ) قال : الغيث .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( يخرج الخبء ) قال : الغيث .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ) قال : خبء السماء والأرض ما جعل الله فيها من الأرزاق ، والمطر من السماء ، والنبات من الأرض ، كانتا رتقا لا تمطر هذه ، ولا تنبت هذه ، ففتق السماء وأنزل منها المطر ، وأخرج النبات .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا عيسى بن يونس ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن حكيم بن جابر ، في قوله : ( ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ) ويعلم كل خفية في السموات والأرض .
حدثني محمد بن عمارة ، قال : ثنا ، قال : أخبرنا عبيد الله بن موسى أسامة بن زيد ، عن معاذ بن عبد الله ، قال : رأيت ابن عباس على بغلة يسأل تبعا ابن امرأة كعب : هل سألت كعبا عن البذر تنبت الأرض العام لم يصب العام الآخر ؟ قال : سمعت كعبا يقول : البذر ينزل من السماء ويخرج من الأرض ، قال : صدقت .
قال أبو جعفر : إنما هو تبيع ، ولكن هكذا قال محمد : وقيل : يخرج الخبء في السماوات والأرض ، لأن العرب تضع " من " مكان " في " و" في " مكان " من " في الاستخراج ( ويعلم ما تخفون وما تعلنون ) يقول : ويعلم السر من أمور خلقه ، هؤلاء الذين زين لهم الشيطان أعمالهم والعلانية منها ، وذلك على قراءة من قرأ ألا بالتشديد . وأما على قراءة من قرأ بالتخفيف فإن معناه : ويعلم ما يسره خلقه الذين أمرهم بالسجود بقوله : " ألا يا هؤلاء اسجدوا " . وقد ذكر أن ذلك في قراءة أبي : " ألا تسجدوا لله الذي يعلم سركم وما تعلنون " .
وقوله : ( الله لا إله إلا هو ) يقول تعالى ذكره : الله الذي لا تصلح العبادة إلا له ، لا إله إلا هو ، لا معبود سواه تصلح له العبادة ، فأخلصوا له [ ص: 450 ] العبادة ، وأفردوه بالطاعة ، ولا تشركوا به شيئا ( رب العرش العظيم ) يعني بذلك : مالك العرش العظيم الذي كل عرش وإن عظم فدونه ، لا يشبهه عرش ملكة سبأ ولا غيره .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ; في قوله : ( أحطت بما لم تحط به ) إلى قوله ( لا إله إلا هو رب العرش العظيم ) هذا كله كلام الهدهد .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق بنحوه .