القول في تأويل قوله تعالى : ( من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون ( 89 ) ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون ( 90 ) )
يقول تعالى ذكره : ( من جاء ) الله بتوحيده والإيمان به ، وقول لا إله إلا الله موقنا به قلبه ( فله ) من هذه الحسنة عند الله ( خير ) يوم القيامة ، وذلك الخير أن يثيبه الله ( منها ) الجنة ، ويؤمنه ( من فزع ) الصيحة الكبرى ، وهي النفخ في الصور . ( ومن جاء بالسيئة ) يقول : ومن جاء بالشرك به يوم يلقاه ، وجحود وحدانيته ( فكبت وجوههم ) في نار جهنم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن خلف العسقلاني ، قال : ثني ، قال : ثنا الفضل بن دكين يحيى بن أيوب البجلي ، قال : سمعت أبا زرعة ، قال : قال - قال أبو هريرة يحيى : أحسبه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ( من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون ) قال : وهي لا إله إلا الله ( ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار ) قال : وهي الشرك " .
حدثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، قال : ثنا ، عن أبو يحيى الحماني النضر بن عربي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قوله : ( من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون ) قال : من جاء بلا إله إلا الله ، ( ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار ) ، قال : بالشرك .
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( من جاء بالحسنة فله خير منها ) يقول : من جاء بلا إله إلا الله ( ومن جاء بالسيئة ) وهو الشرك .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( ومن جاء بالسيئة ) قال : بالشرك .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني [ ص: 508 ] الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( من جاء بالحسنة ) قال : كلمة الإخلاص ( ومن جاء بالسيئة ) قال : الشرك .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، مجاهد بنحوه . قال : وسمعت ابن جريج عطاء يقول فيها الشرك ، يعني في قوله : ( ومن جاء بالسيئة ) .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن أبي المحجل ، عن أبي معشر ، عن إبراهيم ، قال : كان يحلف ما يستثني ، أن ( من جاء بالحسنة ) قال : لا إله إلا الله ، ( ومن جاء بالسيئة ) قال : الشرك .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن عبد الملك ، عن عطاء مثله .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا جابر بن نوح ، قال : ثنا موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب : ( ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار ) قال : الشرك .
حدثني أبو السائب ، قال : ثنا حفص ، قال : ثنا ، عن سعيد بن سعيد علي بن الحسين ، وكان رجلا غزاء ، قال : بينا هو في بعض خلواته حتى رفع صوته : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت ، بيده الخير ، وهو على كل شيء قدير ; قال : فرد عليه رجل : ما تقول يا عبد الله ؟ قال : أقول ما تسمع ، قال : أما إنها الكلمة التي قال الله : ( من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون ) .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : ( من جاء بالحسنة ) قال : الإخلاص ( ومن جاء بالسيئة ) قال : الشرك .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : ( ومن جاء بالسيئة ) يعني : الشرك .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن الحسن : ( ومن جاء بالسيئة ) يقول : الشرك .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : ( ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار ) قال : السيئة : الشرك الكفر . [ ص: 509 ]
حدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكم قال : ثنا حفص بن عمر العدني ، قال : ثنا الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، قوله : ( من جاء بالحسنة ) قال : شهادة أن لا إله إلا الله ( ومن جاء بالسيئة ) قال : السيئة : الشرك . قال الحكم : قال عكرمة : كل شيء في القرآن السيئة فهو الشرك .
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله : ( فله خير منها ) قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : ( فله خير منها ) فمنها وصل إليه الخير ، يعني ابن عباس بذلك : من الحسنة وصل إلى الذي جاء بها الخير .
حدثنا ، قال : ثنا محمد بن بشار روح بن عبادة ، قال : ثنا حسين الشهيد ، عن الحسن : ( من جاء بالحسنة فله خير منها ) قال : له منها .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن الحسن ، قال : من جاء بلا إله إلا الله ، فله خير منها خيرا .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( فله خير منها ) يقول : له منها حظ .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن : ( ابن جريج من جاء بالحسنة فله خير منها ) قال : له منها خير ; فأما أن يكون خيرا من الإيمان فلا ولكن منها خير يصيب منها خيرا .
حدثنا سعد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : ثنا حفص بن عمر ، قال : ثنا الحكم ، عن عكرمة ، قوله : ( من جاء بالحسنة فله خير منها ) قال : ليس شيء خيرا من لا إله إلا الله ، ولكن له منها خير .
وكان ابن زيد يقول في ذلك ما حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( من جاء بالحسنة فله خير منها ) قال : أعطاه الله بالواحدة عشرا ، فهذا خير منها . [ ص: 510 ]
واختلفت القراء في قراءة قوله : ( وهم من فزع يومئذ آمنون ) فقرأ ذلك بعض قراء البصرة : " وهم من فزع يومئذ آمنون " بإضافة فزع إلى اليوم . وقرأ ذلك جماعة قراء أهل الكوفة : ( من فزع يومئذ ) بتنوين فزع .
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان مشهورتان في قراءة الأمصار متقاربتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب ، غير أن الإضافة أعجب إلي ، لأنه فزع معلوم . وإذا كان ذلك كذلك كان معرفة على أن ذلك في سياق قوله : ( ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ) فإذا كان ذلك كذلك ، فمعلوم أنه عني بقوله : ( وهم من فزع يومئذ آمنون ) من الفزع الذي قد جرى ذكره قبله . وإذا كان ذلك كذلك ، كان لا شك أنه معرفة ، وأن الإضافة إذا كان معرفة به أولى من ترك الإضافة ; وأخرى أن ذلك إذا أضيف فهو أبين أنه خبر عن أمانه من كل أهوال ذلك اليوم منه إذا لم يضف ذلك ، وذلك أنه إذا لم يضف كان الأغلب عليه أنه جعل الأمان من فزع بعض أهواله .
وقوله : ( هل تجزون إلا ما كنتم تعملون ) يقول تعالى ذكره . يقال لهم : هل تجزون أيها المشركون إلا ما كنتم تعملون ، إذ كبكم الله لوجوهكم في النار ، وإلا جزاء ما كنتم تعملون في الدنيا بما يسخط ربكم ; وترك " يقال لهم " اكتفاء بدلالة الكلام عليه .