وهذا وعيد من الله - تعالى ذكره - هؤلاء المشركين من قريش ، القائلين للذين آمنوا : اتبعوا سبيلنا ، ولنحمل خطاياكم . يقول لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - : لا يحزننك يا محمد ما تلقى من هؤلاء المشركين أنت وأصحابك من الأذى ، فإني وإن أمليت لهم فأطلت إملاءهم ، فإن مصير أمرهم إلى البوار ، ومصير أمرك وأمر أصحابك إلى العلو والظفر بهم ، والنجاة مما يحل بهم من العقاب ، كفعلنا ذلك بنوح ، إذ أرسلناه إلى قومه ، فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى التوحيد ، وفراق الآلهة والأوثان ، فلم يزدهم ذلك - من دعائه إياهم إلى الله من الإقبال إليه ، وقبول ما أتاهم به من النصيحة من عند الله إلا - فرارا . [ ص: 17 ]
وذكر أنه أرسل إلى قومه وهو ابن ثلاثمائة وخمسين سنة .
كما حدثنا قال : ثنا نصر بن علي الجهضمي نوح بن قيس قال : ثنا عون بن أبي شداد قال : إن الله أرسل نوحا إلى قومه وهو ابن خمسين وثلاثمائة سنة فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما ، ثم عاش بعد ذلك خمسين وثلاثمائة سنة ، فأخذهم الطوفان ، يقول - تعالى ذكره - : فأهلكهم الماء الكثير ، وكل ماء كثير فاش طام فهو عند العرب طوفان ، سيلا كان أو غيره ، وكذلك الموت إذا كان فاشيا كثيرا ، فهو أيضا عندهم طوفان ؛ ومنه قول الراجز :
أفناهم طوفان موت جارف
وبنحو قولنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( فأخذهم الطوفان ) قال : هو الماء الذي أرسل عليهم .
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول : الطوفان : الغرق .
وقوله : ( وهم ظالمون ) يقول : وهم ظالمون أنفسهم بكفرهم .