القول في تأويل قوله تعالى : ( وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله ( 39 ) )
يقول - تعالى ذكره - : وما أعطيتم أيها الناس ، بعضكم بعضا من عطية ؛ لتزداد في [ ص: 104 ] أموال الناس برجوع ثوابها إليه ، ممن أعطاه ذلك ، ( فلا يربو عند الله ) ، يقول : فلا يزداد ذلك عند الله ، لأن صاحبه لم يعطه من أعطاه مبتغيا به وجهه ( وما آتيتم من زكاة ) يقول : وما أعطيتم من صدقة تريدون بها وجه الله ، ( فأولئك ) يعني الذين يتصدقون بأموالهم ، ملتمسين بذلك وجه الله ( هم المضعفون ) يقول : هم الذين لهم الضعف من الأجر والثواب . من قول العرب : أصبح القوم مسمنين معطشين ، إذا سمنت إبلهم وعطشت .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله ) قال : هو ما يعطي الناس بينهم بعضهم بعضا ، يعطي الرجل الرجل العطية ، يريد أن يعطى أكثر منها .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا سفيان ، عن منصور بن صفية ، عن سعيد بن جبير ( وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس ) قال : هو الرجل يعطي الرجل العطية ليثيبه .
قال : ثنا يحيى قال : ثنا سفيان ، عن منصور بن صفية ، عن سعيد بن جبير مثله .
حدثنا ابن وكيع قال : ثني أبي ، عن سفيان ، عن منصور بن صفية ، عن سعيد بن جبير ( وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله ) قال : الرجل يعطي ليثاب عليه .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا يحيى بن سعيد قال : ثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس ) قال : الهدايا .
حدثنا ابن وكيع قال : ثني أبي ، قال : ثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : هي الهدايا .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس ) قال : يعطي ماله يبتغي أفضل منه .
حدثنا ابن وكيع قال : ثنا ابن فضيل ، عن ابن أبي خالد ، عن إبراهيم قال : [ ص: 105 ] هو الرجل يهدي إلى الرجل الهدية ؛ ليثيبه أفضل منها .
قال : ثنا عن محمد بن حميد المعمري ، معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه : هو الرجل يعطي العطية ، ويهدي الهدية ، ليثاب أفضل من ذلك ، ليس فيه أجر ولا وزر .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله ) قال : ما أعطيت من شيء تريد مثابة الدنيا ، ومجازاة الناس ذاك الربا الذي لا يقبله الله ، ولا يجزي به .
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس ) فهو ما يتعاطى الناس بينهم ويتهادون ، يعطي الرجل العطية ؛ ليصيب منه أفضل منها ، وهذا للناس عامة .
وأما قوله : ( ولا تمنن تستكثر ) فهذا للنبي خاصة ، لم يكن له أن يعطي إلا لله ، ولم يكن يعطي ليعطى أكثر منه .
وقال آخرون : إنما عنى بهذا الرجل يعطي ماله الرجل ليعينه بنفسه ، ويخدمه ، ويعود عليه نفعه ، لا لطلب أجر من الله .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع قال : ثنا أبي عن ومحمد بن فضيل ، زكريا ، عن عامر ( وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس ) قال : هو الرجل يلزق بالرجل ، فيخف له ويخدمه ، ويسافر معه ، فيجعل له ربح بعض ماله ليجزيه ، وإنما أعطاه التماس عونه ، ولم يرد وجه الله .
وقال آخرون : هو إعطاء الرجل ماله ليكثر به مال من أعطاه ذلك ، لا طلب ثواب الله .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال : ثنا جرير ، عن مغيرة ، عن أبي حصين ، عن ابن عباس ( وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس ) قال : ألم تر إلى الرجل يقول للرجل : لأمولنك ، فيعطيه ، فهذا لا يربو عند الله ؛ لأنه يعطيه لغير الله ليثري ماله .
قال ثنا عمرو بن عبد الحميد الآملي قال : ثنا مروان بن معاوية ، عن إسماعيل بن أبي خالد قال : سمعت يقول في قوله : ( إبراهيم النخعي وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله ) قال : كان هذا في الجاهلية ، يعطي أحدهم ذا القرابة [ ص: 106 ] المال يكثر به ماله .
وقال آخرون : ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة ، وأما لغيره فحلال .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع قال : ثنا أبي ، عن أبي رواد ، عن الضحاك ( وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله ) هذا للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، هذا الربا الحلال .
وإنما اخترنا القول الذي اخترناه في ذلك ؛ لأنه أظهر معانيه .
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الكوفة والبصرة وبعض أهل مكة ، ( ليربو ) بفتح الياء من يربو ، بمعنى : وما آتيتم من ربا ليربو ذلك الربا في أموال الناس ، وقرأ ذلك عامة قراء أهل المدينة : ( لتربوا ) بالتاء من تربوا وضمها ، بمعنى : وما آتيتم من ربا لتربوا أنتم في أموال الناس .
والصواب من القول في ذلك عندنا ، أنهما قراءتان مشهورتان في قراء الأمصار مع تقارب معنييهما ؛ لأن أرباب المال إذا أربوا ربا المال ، وإذا ربا المال فبإرباء أربابه إياه ربا ، فإذا كان ذلك كذلك ، فبأي القراءتين قرأ القارئ فمصيب .
وأما قوله : ( وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون ) فإن أهل التأويل قالوا في تأويله نحو الذي قلنا .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون ) قال : هذا الذي يقبله الله ويضعفه لهم عشر أمثالها ، وأكثر من ذلك .
حدثنا عن عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة قال : قال ابن عباس قوله : ( وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله ) قال : هي الهبة ، يهب الشيء يريد أن يثاب عليه أفضل منه ، فذلك الذي لا يربو عند الله ، لا يؤجر فيه صاحبه ، ولا إثم عليه ( وما آتيتم من زكاة ) قال : هي الصدقة تريدون وجه الله ( فأولئك هم المضعفون ) قال معمر : قال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثل ذلك .