[ ص: 20 ] قال لا ينال عهدي الظالمين ( 124 ) ) القول في تأويل قوله تعالى (
قال أبو جعفر : هذا خبر من الله جل ثناؤه عن أن الظالم لا يكون إماما يقتدي به أهل الخير . وهو من الله جل ثناؤه جواب لما يتوهم في مسألته إياه أن يجعل من ذريته أئمة مثله . فأخبر أنه فاعل ذلك ، إلا بمن كان من أهل الظلم منهم ، فإنه غير مصيره كذلك ، ولا جاعله في محل أوليائه عنده ، بالتكرمة بالإمامة . لأن الإمامة إنما هي لأوليائه وأهل طاعته ، دون أعدائه والكافرين به .
واختلف أهل التأويل في . العهد الذي حرم الله جل ثناؤه الظالمين أن ينالوه
فقال بعضهم : ذلك العهد هو النبوة .
ذكر من قال ذلك :
1945 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن : " السدي قال لا ينال عهدي الظالمين " ، يقول : عهدي ، نبوتي .
فمعنى قائل هذا القول في تأويل الآية : لا ينال النبوة أهل الظلم والشرك .
وقال آخرون : معنى "العهد" : عهد الإمامة .
فتأويل الآية على قولهم : لا أجعل من كان من ذريتك بأسرهم ظالما ، إماما لعبادي يقتدى به .
ذكر من قال ذلك :
1946 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " قال لا ينال عهدي الظالمين " قال : لا يكون إمام ظالما . [ ص: 21 ]
1947 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : قال الله : " لا ينال عهدي الظالمين " قال : لا يكون إمام ظالما .
1948 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن عكرمة بمثله .
1949 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد في قوله : "قال لا ينال عهدي الظالمين" قال : لا يكون إمام ظالم يقتدى به .
1950 - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .
1951 - حدثنا مشرف بن أبان الحطاب قال : حدثنا ، عن وكيع سفيان ، عن خصيف ، عن مجاهد في قوله : "لا ينال عهدي الظالمين" قال : لا أجعل إماما ظالما يقتدى به .
1952 - حدثنا محمد بن عبيد المحاربي قال : حدثنا مسلم بن خالد الزنجي ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "لا ينال عهدي الظالمين" قال : لا أجعل إماما ظالما يقتدى به .
1953 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن [ ص: 22 ] ، عن ابن جريج مجاهد : "لا ينال عهدي الظالمين" : قال : لا يكون إماما ظالم .
قال : وأما ابن جريج عطاء فإنه قال : " إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي " ، فأبى أن يجعل من ذريته ظالما إماما . قلت لعطاء : ما عهده ؟ قال : أمره .
وقال آخرون : معنى ذلك : أنه لا عهد عليك لظالم أن تطيعه في ظلمه .
ذكر من قال ذلك :
1954 - حدثنا محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "لا ينال عهدي الظالمين" ، يعني : لا عهد لظالم عليك في ظلمه ، أن تطيعه فيه .
1955 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ، عن إسرائيل ، عن مسلم الأعور ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : " قال لا ينال عهدي الظالمين " قال : ليس للظالمين عهد ، وإن عاهدته فانقضه .
1956 - حدثني القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن سفيان ، عن هارون بن عنترة ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : ليس لظالم عهد .
وقال آخرون : معنى "العهد" في هذا الموضع : الأمان .
فتأويل الكلام على معنى قولهم : قال الله : لا ينال أماني أعدائي ، وأهل الظلم لعبادي . أي : لا أؤمنهم من عذابي في الآخرة .
ذكر من قال ذلك :
1957 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا قال : حدثنا يزيد بن زريع سعيد ، عن قتادة : " قال لا ينال عهدي الظالمين ، ذلكم عند الله يوم القيامة ، لا ينال عهده ظالم ، فأما في الدنيا ، فقد نالوا عهد الله ، فوارثوا به المسلمين وغازوهم وناكحوهم به . فلما كان يوم القيامة قصر الله عهده وكرامته على أوليائه . [ ص: 23 ]
1958 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " لا ينال عهدي الظالمين " قال : لا ينال عهد الله في الآخرة الظالمون ، فأما في الدنيا فقد ناله الظالم ، وأكل به وعاش .
1959 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرحمن ، عن إسرائيل ، عن منصور ، عن إبراهيم : "قال لا ينال عهدي الظالمين" قال : لا ينال عهد الله في الآخرة الظالمون . فأما في الدنيا فقد ناله الظالم فأمن به ، وأكل وأبصر وعاش .
وقال آخرون : بل "العهد" الذي ذكره الله في هذا الموضع : دين الله .
ذكر من قال ذلك :
1960 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قال : قال الله لإبراهيم : "لا ينال عهدي الظالمين" فقال : فعهد الله الذي عهد إلى عباده ، دينه . يقول : لا ينال دينه الظالمين . ألا ترى أنه قال : ( وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين ) [ سورة الصافات : 113 ] ، يقول : ليس كل ذريتك يا إبراهيم على الحق .
1961 - حدثني يحيى بن جعفر قال : أخبرنا يزيد قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك في قوله : " لا ينال عهدي الظالمين قال : لا ينال عهدي عدو لي يعصيني ، ولا أنحلها إلا وليا لي يطيعني .
قال أبو جعفر : وهذا الكلام ، وإن كان ظاهره ظاهر خبر عن أنه لا ينال من ولد إبراهيم صلوات الله عليه ، عهد الله - الذي هو النبوة والإمامة لأهل الخير ، [ ص: 24 ] بمعنى الاقتداء به في الدنيا ، والعهد الذي بالوفاء به ينجو في الآخرة ، من وفى لله به في الدنيا - من كان منهم ظالما متعديا جائرا عن قصد سبيل الحق . فهو إعلام من الله تعالى ذكره لإبراهيم : أن من ولده من يشرك به ، ويجور عن قصد السبيل ، ويظلم نفسه وعباده ، كالذي : -
1962 - حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال : حدثنا عتاب بن بشير ، عن خصيف ، عن مجاهد في قوله : " لا ينال عهدي الظالمين " قال : إنه سيكون في ذريتك ظالمون
وأما نصب "الظالمين" ، فلأن العهد هو الذي لا ينال الظالمين .
وذكر أنه في قراءة ابن مسعود : "لا ينال عهدي الظالمون" ، بمعنى : أن الظالمين هم الذين لا ينالون عهد الله .
وإنما جاز الرفع في "الظالمين" والنصب ، وكذلك في "العهد" ، لأن كل ما نال المرء فقد ناله المرء ، كما يقال : "نالني خير فلان ، ونلت خيره" ، فيوجه الفعل مرة إلى الخير ومرة إلى نفسه .
وقد بينا معنى "الظلم" فيما مضى ، فكرهنا إعادته . [ ص: 25 ]