القول في تأويل قوله تعالى : ( الدعاء إذا ولوا مدبرين فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم ( 52 ) وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون ( 53 ) )
يقول - تعالى ذكره - : ( فإنك ) يا محمد ، ( لا تسمع الموتى ) يقول : لا تجعل لهم أسماعا يفهمون بها عنك ما تقول لهم ، وإنما هذا مثل معناه : فإنك لا تقدر أن تفهم [ ص: 117 ] هؤلاء المشركين الذين قد ختم الله على أسماعهم ، فسلبهم فهم ما يتلى عليهم من مواعظ تنزيله ، كما لا تقدر أن تفهم الموتى الذين قد سلبهم الله أسماعهم ، بأن تجعل لهم أسماعا .
وقوله : ( ولا تسمع الصم الدعاء ) يقول : وكما لا تقدر أن تسمع الصم الذين قد سلبوا السمع - الدعاء ، إذا هم ولوا عنك مدبرين ، كذلك لا تقدر أن توفق هؤلاء الذين قد سلبهم الله فهم آيات كتابه ، لسماع ذلك وفهمه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( فإنك لا تسمع الموتى ) : هذا مثل ضربه الله للكافر ، فكما لا يسمع الميت الدعاء ، كذلك لا يسمع الكافر ، ( ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين ) يقول : لو أن أصم ولى مدبرا ثم ناديته لم يسمع ، كذلك الكافر لا يسمع ، ولا ينتفع بما يسمع .
وقوله : ( وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم ) يقول - تعالى ذكره - : وما أنت يا محمد بمسدد من أعماه الله عن الاستقامة ، ومحجة الحق ، فلم يوفقه لإصابة الرشد ، فصارفه عن ضلالته التي هو عليها ، وركوبه الجائر من الطرق إلى سبيل الرشاد ، يقول : ليس ذلك بيدك ولا إليك ، ولا يقدر على ذلك أحد غيري ؛ لأني القادر على كل شيء . وقيل : ( بهادي العمي عن ضلالتهم ) ولم يقل : من ضلالتهم ، لأن معنى الكلام ما وصفت ، من أنه : وما أنت بصارفهم عنه ، فحمل على المعنى . ولو قيل : من ضلالتهم ، كان صوابا . وكان معناه : ما أنت بمانعهم من ضلالتهم .
وقوله : ( إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا ) يقول - تعالى ذكره - لنبيه : ما تسمع السماع الذي ينتفع به سامعه فيعقله ، إلا من يؤمن بآياتنا ، لأن الذي يؤمن بآياتنا إذا سمع كتاب الله تدبره وفهمه وعقله ، وعمل بما فيه ، وانتهى إلى حدود الله الذي حد فيه ، فهو الذي يسمع السماع النافع .
وقوله : ( فهم مسلمون ) يقول : فهم خاضعون لله بطاعته ، متذللون لمواعظ كتابه .