قال أبو جعفر : أما قوله : "وإذ جعلنا البيت مثابة" ، فإنه عطف ب"إذ" على قوله : "وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات" . وقوله : "وإذ ابتلى إبراهيم" معطوف على قوله : " يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي " ، واذكروا" إذ ابتلى إبراهيم ربه " ، " وإذ جعلنا البيت مثابة " .
و"البيت" الذي جعله الله مثابة للناس ، هو البيت الحرام .
وأما" المثابة " ، فإن أهل العربية مختلفون في معناها ، والسبب الذي من أجله أنثت .
فقال بعض نحويي البصرة : ألحقت الهاء في "المثابة" ، لما كثر من يثوب إليه ، كما يقال : "سيارة" لمن يكثر ذلك ، "ونسابة" .
وقال بعض نحويي الكوفة : بل "المثاب" و"المثابة" بمعنى واحد ، نظيره "المقام" و"المقامة" . و"المقام" ، ذكر - على قوله - لأنه يريد به الموضع الذي يقام فيه ، وأنثت "المقامة" ، لأنه أريد بها البقعة . وأنكر هؤلاء أن تكون"المثابة" ك"السيارة ، والنسابة" . وقالوا : إنما أدخلت الهاء في "السيارة والنسابة" تشبيها لها ب"الداعية" .
و"المثابة" "مفعلة" من "ثاب القوم إلى الموضع" ، إذا رجعوا إليه ، فهم يثوبون إليه مثابا ومثابة وثوابا . [ ص: 26 ]
فمعنى قوله : "وإذ جعلنا البيت مثابة للناس" : وإذ جعلنا البيت مرجعا للناس ومعاذا ، يأتونه كل عام ويرجعون إليه ، فلا يقضون منه وطرا . ومن "المثاب" ، قول ورقة بن نوفل في صفة الحرم :
مثاب لأفناء القبائل كلها تخب إليه اليعملات الطلائح
ومنه قيل : "ثاب إليه عقله" ، إذا رجع إليه بعد عزوبه عنه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
1963 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا [ أبو عاصم قال : حدثنا ] عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : "وإذ جعلنا البيت مثابة [ ص: 27 ] للناس" قال : لا يقضون منه وطرا .
1964 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
1965 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " وإذ جعلنا البيت مثابة للناس " قال : يثوبون إليه ، لا يقضون منه وطرا .
1966 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن : " السدي وإذ جعلنا البيت مثابة للناس " قال : أما المثابة ، فهو الذي يثوبون إليه كل سنة ، لا يدعه الإنسان إذا أتاه مرة أن يعود إليه .
1967 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي ، قال حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " وإذ جعلنا البيت مثابة للناس " قال : لا يقضون منه وطرا ، يأتونه ، ثم يرجعون إلى أهليهم ، ثم يعودون إليه .
1968 - حدثني عبد الكريم بن أبي عمير قال : حدثني قال : قال الوليد بن مسلم أبو عمرو : حدثني عبدة بن أبي لبابة في قوله : " وإذ جعلنا البيت مثابة للناس " قال : لا ينصرف عنه منصرف وهو يرى أنه قد قضى منه وطرا .
1969 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا عبد الملك ، عن عطاء في قوله : " وإذ جعلنا البيت مثابة للناس " قال : يثوبون إليه من كل مكان ، ولا يقضون منه وطرا .
1970 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن عبد الملك ، عن عطاء مثله .
1971 - حدثني محمد بن عمارة الأسدي قال : حدثنا سهل بن عامر قال : [ ص: 28 ] حدثنا ، عن مالك بن مغول عطية في قوله : " وإذ جعلنا البيت مثابة للناس " قال : لا يقضون منه وطرا .
1972 - حدثنا قال : حدثنا محمد بن بشار عبد الرحمن : قال : حدثنا سفيان ، عن أبي الهذيل قال : سمعت سعيد بن جبير يقول : " وإذ جعلنا البيت مثابة للناس " قال : يحجون ويثوبون .
1973 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال أخبرنا الثوري ، عن أبي الهذيل ، عن سعيد بن جبير في قوله : "مثابة للناس" قال : يحجون ، ثم يحجون ، ولا يقضون منه وطرا .
1974 - حدثني المثنى قال : حدثنا ابن بكير قال : حدثنا مسعر ، عن غالب ، عن سعيد بن جبير : "مثابة للناس" قال : يثوبون إليه .
1975 - - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا قال : حدثنا يزيد بن زريع سعيد ، عن قتادة قوله : " وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا " قال : مجمعا .
1976 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : "مثابة للناس" قال : يثوبون إليه . [ ص: 29 ]
1977 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : "مثابة للناس" قال : يثوبون إليه .
1978 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " وإذ جعلنا البيت مثابة للناس " قال : يثوبون إليه من البلدان كلها ويأتونه .