[ ص: 126 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله  بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين   ( 6 ) ) 
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث   ) فقال بعضهم : من يشتري الشراء المعروف بالثمن ، ورووا بذلك خبرا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . 
وهو ما حدثنا أبو كريب  قال : ثنا  وكيع ،  عن خلاد الصفار ،  عن عبيد الله بن زحر ،  عن علي بن يزيد ،  عن القاسم ،  عن أبي أمامة  قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :  " لا يحل بيع المغنيات  ، ولا شراؤهن ، ولا التجارة فيهن ، ولا أثمانهن ، وفيهن نزلت هذه الآية : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث   ) . 
حدثنا ابن وكيع  قال : ثني أبي ، عن خلاد الصفار ،  عن عبيد الله بن زحر ،  عن علي بن يزيد ،  عن القاسم ،  عن أبي أمامة ،  عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحوه . إلا أنه قال : " أكل ثمنهن حرام " وقال أيضا : " وفيهن أنزل الله علي هذه الآية : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله   )  . 
حدثني عبيد بن آدم بن أبي إياس العسقلاني  قال : ثنا أبي قال : ثنا  سليمان بن حيان ،  عن عمرو بن قيس الكلابي ،  عن أبي المهلب ،  عن عبيد الله بن زحر ،  عن علي بن يزيد ،  عن القاسم ،  عن أبي أمامة   . قال : وثنا إسماعيل بن عياش ،  عن مطرح بن يزيد ،  عن عبيد الله بن زحر ،  عن علي بن زيد ،  عن القاسم ،  عن  أبي أمامة الباهلي  قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :  " لا يحل تعليم المغنيات ، ولا بيعهن ولا شراؤهن ، وثمنهن حرام ، وقد نزل تصديق ذلك في كتاب الله ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث   ) إلى آخر الآية " . 
وقال آخرون : بل معنى ذلك : من يختار لهو الحديث ويستحبه . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة  قوله : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم   ) والله لعله أن لا ينفق فيه مالا ،  [ ص: 127 ] ولكن اشتراؤه استحبابه ، بحسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحق ، وما يضر على ما ينفع  . 
حدثني محمد بن خلف العسقلاني  قال : ثنا أيوب بن سويد  قال : ثنا ابن شوذب ،  عن مطر  في قول الله : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث   ) قال : اشتراؤه : استحبابه . 
وأولى التأويلين عندي بالصواب تأويل من قال : معناه : الشراء الذي هو بالثمن ؛ وذلك أن ذلك هو أظهر معنييه . 
فإن قال قائل : وكيف يشتري لهو الحديث ؟ قيل : يشتري ذات لهو الحديث ، أو ذا لهو الحديث ، فيكون مشتريا لهو الحديث . 
وأما الحديث فإن أهل التأويل اختلفوا فيه ، فقال بعضهم : هو الغناء والاستماع له . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني  يونس بن عبد الأعلى  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : أخبرني يزيد بن يونس ،  عن أبي صخر ،  عن أبي معاوية البجلي ،  عن سعيد بن جبير ،  عن أبي الصهباء البكري  أنه سمع  عبد الله بن مسعود  وهو يسأل عن هذه الآية : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم   ) فقال عبد الله   : الغناء والذي لا إله إلا هو ، يرددها ثلاث مرات . 
حدثنا عمرو بن علي  قال : ثنا صفوان بن عيسى  قال : أخبرنا حميد الخراط ،  عن عمار ،  عن سعيد بن جبير ،  عن أبي الصهباء ،  أنه سأل ابن مسعود ،  عن قول الله ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث   ) قال : الغناء . 
حدثنا أبو كريب  قال : ثنا علي بن عابس ،  عن عطاء ،  عن سعيد بن جبير ،  عن ابن عباس   ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث   ) قال : الغناء . 
حدثنا عمرو بن علي  قال : ثنا عمران بن عيينة  قال : ثنا عطاء بن السائب ،  عن سعيد بن جبير ،  عن ابن عباس   ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث   ) قال :  [ ص: 128 ] الغناء وأشباهه . 
حدثنا ابن وكيع ،  والفضل بن الصباح ،  قالا : ثنا  محمد بن فضيل ،  عن عطاء ،  عن سعيد بن جبير  عن ابن عباس  في قوله : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث   ) قال : هو الغناء ونحوه . 
حدثنا ابن حميد  قال : ثنا  حكام بن سلم ،  عن عمرو بن أبي قيس ،  عن عطاء ،  عن سعيد بن جبير  عن ابن عباس  مثله . 
حدثنا الحسين بن عبد الرحمن الأنماطي  قال : ثنا عبيد الله  قال : ثنا  ابن أبي ليلى ،  عن الحكم ،  عن مقسم ،  عن ابن عباس  قال : هو الغناء والاستماع له .  يعني قوله : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث   ) . 
حدثنا الحسن بن عبد الرحيم  قال : ثنا  عبيد الله بن موسى  قال : ثنا سفيان ،  عن قابوس بن أبي ظبيان ،  عن أبيه ، عن جابر  في قوله : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث   ) قال : هو الغناء والاستماع له . 
حدثنا ابن وكيع  قال : ثنا أبي ، عن  ابن أبي ليلى ،  عن الحكم  أو مقسم ،  عن مجاهد ،  عن ابن عباس  قال : شراء المغنية . 
حدثنا ابن وكيع  قال : ثنا حفص  والمحاربي ،  عن ليث ،  عن الحكم ،  عن ابن عباس  قال : الغناء . 
حدثني محمد بن سعد  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس  قوله : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله   ) قال : باطل الحديث هو الغناء ونحوه . 
حدثنا ابن بشار  وابن المثنى  قالا : ثنا عبد الرحمن  قال : ثنا سفيان ،  عن حبيب ،  عن مجاهد   ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث   ) قال : الغناء . 
حدثنا  ابن المثنى  قال : ثنا محمد بن جعفر   وعبد الرحمن بن مهدي ،  عن شعبة ،  عن الحكم ،  عن مجاهد  أنه قال في هذه الآية : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث   ) قال : الغناء . 
حدثنا ابن وكيع  قال : ثنا أبي ، عن سفيان ،  عن حبيب ،  عن مجاهد  قال : الغناء . 
قال : ثنا أبي ، عن شعبة ،  عن الحكم ،  عن مجاهد  مثله .  [ ص: 129 ] 
حدثنا أبو كريب  قال : ثنا الأشجعي ،  عن سفيان ،  عن عبد الكريم ،  عن مجاهد   ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث   ) قال : هو الغناء ، وكل لعب لهو . 
حدثنا الحسين بن عبد الرحمن الأنماطي  قال : ثنا علي بن حفص الهمداني  قال : ثنا ورقاء ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد   ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث   ) قال : الغناء والاستماع له وكل لهو . 
حدثني محمد بن عمرو  قال : ثنا أبو عاصم  قال : ثنا عيسى ،  وحدثني الحارث  قال : ثنا الحسن  قال : ثنا ورقاء  جميعا عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد  في قوله : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث   ) قال : المغني والمغنية بالمال الكثير ، أو استماع إليه ، أو إلى مثله من الباطل . 
حدثني يعقوب   وابن وكيع  قالا : ثنا  ابن علية ،  عن ليث ،  عن مجاهد  في قوله : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث   ) قال : هو الغناء أو الغناء منه ، أو الاستماع له . 
حدثنا أبو كريب  قال : ثنا عثام بن علي ،  عن إسماعيل بن أبي خالد ،  عن شعيب بن يسار ،  عن عكرمة  قال : ( لهو الحديث   ) : الغناء . 
حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري  قال : ثنا عثام ،  عن إسماعيل بن أبي خالد ،  عن شعيب بن يسار   . هكذا قال عكرمة ،  عن عبيد  مثله . 
حدثنا الحسين بن الزبرقان النخعي  قال : ثنا أبو أسامة  وعبيد الله ،  عن أسامة ،  عن عكرمة  في قوله : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث   ) قال : الغناء . 
حدثنا ابن وكيع  قال : ثنا أبي ، عن أسامة بن زيد ،  عن عكرمة  قال : الغناء . 
وقال آخرون : عنى باللهو : الطبل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني عباس بن محمد  قال : ثنا حجاج الأعور ،  عن  ابن جريج ،  عن مجاهد  قال : اللهو : الطبل . 
وقال آخرون : عنى بلهو الحديث : الشرك . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثت عن الحسين  قال : سمعت أبا معاذ  يقول : أخبرنا عبيد  قال : سمعت الضحاك  يقول في قوله : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث   ) يعني : الشرك .  [ ص: 130 ] 
حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : قال ابن زيد  في قوله : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا   ) قال : هؤلاء أهل الكفر ، ألا ترى إلى قوله : ( وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا   ) فليس هكذا أهل الإسلام . قال : وناس يقولون : هي فيكم وليس كذلك ، قال : وهو الحديث الباطل الذي كانوا يلغون فيه . 
والصواب من القول في ذلك أن يقال : عنى به كل ما كان من الحديث ملهيا عن سبيل الله مما نهى الله عن استماعه أو رسوله ؛ لأن الله تعالى عم بقوله : ( لهو الحديث   ) ولم يخصص بعضا دون بعض ، فذلك على عمومه حتى يأتي ما يدل على خصوصه ، والغناء والشرك من ذلك . 
وقوله : ( ليضل عن سبيل الله   ) يقول : ليصد ذلك الذي يشتري من لهو الحديث عن دين الله وطاعته ، وما يقرب إليه من قراءة قرآن وذكر الله . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني محمد بن سعد  قال : ثني أبي قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس   ( ليضل عن سبيل الله   ) قال : سبيل الله قراءة القرآن ، وذكر الله إذا ذكره ، وهو رجل من قريش  اشترى جارية مغنية  . 
وقوله : ( بغير علم ) يقول : فعل ما فعل من اشترائه لهو الحديث جهلا منه بما له في العاقبة عند الله من وزر ذلك وإثمه . وقوله : ( ويتخذها هزوا   ) اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء المدينة  والبصرة  وبعض أهل الكوفة : ( ويتخذها ) رفعا عطفا به على قوله : " يشتري " كأن معناه عندهم : ومن الناس من يشتري لهو الحديث ، ويتخذ آيات الله هزوا . وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة   : ( ويتخذها ) نصبا عطفا على " يضل " بمعنى : ليضل عن سبيل الله ، وليتخذها هزوا . 
والصواب من القول في ذلك : أنهما قراءتان معروفتان في قراء الأمصار ، متقاربتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب الصواب في قراءته . والهاء والألف في قوله : ( ويتخذها ) من ذكر سبيل الله .  [ ص: 131 ] 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني محمد بن عمرو  قال : ثنا أبو عاصم  قال : ثنا عيسى ،  وحدثني الحارث  قال : ثنا الحسن  قال : ثنا ورقاء ،  جميعا عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد  في قول الله : ( ويتخذها هزوا   ) قال : سبيل الله . 
وقال آخرون : بل ذلك من ذكر آيات الكتاب . 
حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة  قال : بحسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحق ، وما يضر على ما ينفع . " ويتخذها هزوا " يستهزئ بها ويكذب بها . وهما من أن يكونا من ذكر سبيل الله أشبه عندي لقربهما منها ، وإن كان القول الآخر غير بعيد من الصواب . واتخاذه ذلك هزوا هو استهزاؤه به . 
وقوله : ( أولئك لهم عذاب مهين   ) يقول - تعالى ذكره - : هؤلاء - الذين وصفنا أنهم يشترون لهو الحديث ليضلوا عن سبيل الله - لهم يوم القيامة عذاب مذل مخز في نار جهنم . 
				
						
						
