يقول - تعالى ذكره - : ( النبي ) محمد ( أولى بالمؤمنين ) يقول : أحق بالمؤمنين به ( من أنفسهم ) ، أن يحكم فيهم بما يشاء من حكم ، فيجوز ذلك عليهم .
كما حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ) كما أنت أولى بعبدك ما قضى فيهم من أمر جاز ، كما كلما قضيت على عبدك جاز .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني [ ص: 209 ] الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ) قال : هو أب لهم .
حدثنا قال : ثنا محمد بن المثنى عثمان بن عمر قال : ثنا فليح ، عن هلال بن علي ، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة ، عن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " أبي هريرة ، النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ) وأيما مؤمن ترك مالا فلورثته وعصبته من كانوا ، وإن ترك دينا أو ضياعا فليأتني وأنا مولاه " . ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة ، اقرءوا إن شئتم (
حدثنا ابن وكيع قال : ثنا عن حسن بن علي ، أبي موسى إسرائيل بن موسى قال : قرأ الحسن هذه الآية ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم ) قال : قال الحسن : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : قال " أنا أولى بكل مؤمن من نفسه " الحسن : وفي القراءة الأولى ( أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم ) .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قال : في بعض القراءة ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم ) وذكر لنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " أيما رجل ترك ضياعا فأنا أولى به ، وإن ترك مالا فهو لورثته " .
وقوله : وأزواجه أمهاتهم ) يقول : وحرمة أزواجه حرمة أمهاتهم عليهم ، في أنهن يحرم عليهن نكاحهن من بعد وفاته ، كما يحرم عليهم نكاح أمهاتهم . (
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم ) يعظم بذلك حقهن ، وفي بعض القراءة : ( وهو أب لهم ) .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( وأزواجه أمهاتهم ) محرمات عليهم .
وقوله : وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين ) يقول - تعالى ذكره - : وأولوا الأرحام الذين ورثت بعضهم من بعض ، هم أولى بميراث بعض من المؤمنين والمهاجرين أن يرث بعضهم بعضا ، بالهجرة والإيمان دون الرحم . [ ص: 210 ] (
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين ) لبث المسلمون زمانا يتوارثون بالهجرة ، والأعرابي المسلم لا يرث من المهاجرين شيئا ، فأنزل الله هذه الآية ، فخلط المؤمنين بعضهم ببعض ، فصارت المواريث بالملل .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا ) قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد آخى بين المهاجرين والأنصار أول ما كانت الهجرة ، وكانوا يتوارثون على ذلك ، وقال الله : ( ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم ) قال : إذا لم يأت رحم لهذا يحول دونهم ، قال : فكان هذا أولا فقال الله : إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا ) يقول : إلا أن توصوا لهم ( ( كان ذلك في الكتاب مسطورا ) أن أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ، قال : وكان المؤمنون والمهاجرون لا يتوارثون إن كانوا أولي رحم ، حتى يهاجروا إلى المدينة ، وقرأ قال الله : ( والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا ) إلى قوله : ( وفساد كبير ) فكانوا لا يتوارثون ، حتى إذا كان عام الفتح ، انقطعت الهجرة ، وكثر الإسلام ، وكان لا يقبل من أحد أن يكون على الذي كان عليه النبي ومن معه إلا أن يهاجر ؛ قال : وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمن بعث : " اغدوا على اسم الله لا تغلوا ولا تولوا ، ادعوهم إلى الإسلام ، فإن أجابوكم فاقبلوا وادعوهم إلى الهجرة ، فإن هاجروا معكم ، فلهم ما لكم ، وعليهم ما عليكم ، فإن أبوا ولم يهاجروا واختاروا دارهم فأقروهم فيها ، فهم كالأعراب تجري عليهم أحكام الإسلام ، وليس لهم في هذا الفيء نصيب " . قال : فلما جاء الفتح ، وانقطعت الهجرة ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " " وكثر الإسلام ، وتوارث الناس على الأرحام حيث كانوا ، ونسخ ذلك الذي كان بين المؤمنين لا هجرة بعد الفتح والمهاجرين ، وكان لهم في الفيء نصيب ، وإن أقاموا وأبوا ، وكان حقهم في الإسلام واحدا ، المهاجر وغير المهاجر والبدوي وكل أحد ، حين جاء الفتح . [ ص: 211 ]
فمعنى الكلام على هذا التأويل : وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض من المؤمنين والمهاجرين ببعضهم أن يرثوهم بالهجرة ، وقد يحتمل ظاهر هذا الكلام أن يكون من صلة الأرحام من المؤمنين والمهاجرين ، أولى بالميراث ، ممن لم يؤمن ، ولم يهاجر .
وقوله : ( إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا ) اختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : معنى ذلك : إلا أن توصوا لذوي قرابتكم من غير أهل الإيمان والهجرة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع قال : ثنا أبو معاوية ، عن حجاج ، عن سالم ، عن ( ابن الحنفية إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا ) قالوا : يوصي لقرابته من أهل الشرك .
قال : ثنا عبدة قال : قرأت على ابن أبي عروبة ، عن قتادة ( إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا ) قال : للقرابة من أهل الشرك وصية ، ولا ميراث لهم .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا ) قال : إلى أوليائكم من أهل الشرك وصية ، ولا ميراث لهم .
حدثنا ابن وكيع قال : ثنا أبو أحمد الزبيري ويحيى بن آدم ، عن ابن المبارك ، عن معمر ، عن عن يحيى بن أبي كثير ، عكرمة ( إلى أوليائكم معروفا ) قال : وصية .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني محمد بن عمرو ، عن قال : قلت ابن جريج لعطاء : ما قوله : ( إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا ) فقال : العطاء ، فقلت له : المؤمن للكافر بينهما قرابة ؟ قال : نعم عطاؤه إياه حباء ووصية له .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : إلا أن تمسكوا بالمعروف بينكم بحق الإيمان والهجرة والحلف ، فتؤتونهم حقهم من النصرة والعقل عنهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : ( إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا ) قال : حلفاؤكم الذين والى بينهم النبي - صلى الله عليه وسلم - من المهاجرين والأنصار ، إمساك بالمعروف والعقل والنصر بينهم .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : أن توصوا إلى أوليائكم من المهاجرين وصية . [ ص: 212 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : ( إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا ) يقول : إلا أن توصوا لهم .
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال : معنى ذلك إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم الذين كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آخى بينهم وبينكم من المهاجرين والأنصار معروفا من الوصية لهم ، والنصرة والعقل عنهم ، وما أشبه ذلك ، لأن كل ذلك من المعروف الذي قد حث الله عليه عباده .
وإنما اخترت هذا القول ، وقلت : هو أولى بالصواب من قيل من قال : عنى بذلك الوصية للقرابة من أهل الشرك ، لأن القريب من المشرك وإن كان ذا نسب فليس بالمولى ، وذلك أن الشرك يقطع ولاية ما بين المؤمن والمشرك ، وقد نهى الله المؤمنين أن يتخذوا منهم وليا بقوله : ( لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ) وغير جائز أن ينهاهم عن اتخاذهم أولياء ، ثم يصفهم جل ثناؤه بأنهم لهم أولياء . وموضع " أن " من قوله : ( إلا أن تفعلوا ) نصب على الاستثناء ومعنى الكلام : وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين ، إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم الذين ليسوا بأولي أرحام منكم معروفا .
وقوله : كان ذلك في الكتاب مسطورا ) يقول : كان أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ، أي في اللوح المحفوظ مسطورا أي مكتوبا ، كما قال الراجز : (
في الصحف الأولى التي كان سطر
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( كان ذلك في الكتاب مسطورا ) : أي أن أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله .
وقال آخرون : معنى ذلك : كان ذلك في الكتاب مسطورا : لا يرث المشرك المؤمن .