القول في تأويل قوله تعالى : ( قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون إلا قليلا    ( 16 ) قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا   ( 17 ) ) 
يقول - تعالى ذكره - لنبيه محمد   - صلى الله عليه وسلم - : ( قل ) يا محمد ،  لهؤلاء الذين يستأذنوك في الانصراف عنك ويقولون : إن بيوتنا عورة ( لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل   ) يقول : لأن ذلك ، أو ما كتب الله منهما واصل إليكم بكل حال ، كرهتم أو أحببتم ( وإذا لا تمتعون إلا قليلا   ) يقول : وإذا فررتم من الموت أو القتل لم يزد فراركم ذلك في أعماركم وآجالكم ، بل إنما تمتعون في هذه الدنيا إلى الوقت الذي كتب لكم ، ثم يأتيكم ما كتب لكم وعليكم .  [ ص: 229 ] 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة   ( قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون إلا قليلا   ) وإنما الدنيا كلها قليل . 
حدثنا أبو كريب  قال : ثنا ابن يمان ،  عن سفيان ،  عن منصور ،  عن أبي رزين ،  عن الربيع بن خثيم   ( وإذا لا تمتعون إلا قليلا   ) قال : إلى آجالهم . 
حدثنا ابن بشار  قال : ثنا عبد الرحمن  قال : ثنا سفيان ،  عن منصور ،  عن أبي رزين ،  عن الربيع بن خثيم   ( وإذا لا تمتعون إلا قليلا   ) قال : ما بينهم وبين الأجل . 
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى  وعبد الرحمن  قالا : ثنا سفيان ،  عن منصور ،  عن الأعمش ،  عن أبي رزين ،  عن الربيع بن خثيم  مثله إلا أنه قال : ما بينهم وبين آجالهم . 
حدثنا  ابن المثنى  قال : ثنا محمد بن جعفر  قال : ثنا شعبة ،  عن منصور ،  عن أبي رزين ،  أنه قال في هذه الآية : ( فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا   ) قال : ليضحكوا في الدنيا قليلا وليبكوا في النار كثيرا . وقال في هذه الآية : ( وإذا لا تمتعون إلا قليلا   ) قال : إلى آجالهم . أحد هذين الحديثين رفعه إلى الربيع بن خثيم .  
حدثنا ابن وكيع  قال : ثني أبي ، عن الأعمش ،  عن أبي رزين ،  عن الربيع بن خثيم   ( وإذا لا تمتعون إلا قليلا   ) قال : الأجل . ورفع قوله : ( تمتعون ) ولم ينصب ب " إذا " للواو التي معها ؛ وذلك أنه إذا كان قبلها واو ، كان معنى " إذا " التأخير بعد الفعل ، كأنه قيل : ولو فروا لا يمتعون إلا قليلا إذا ، وقد ينصب بها أحيانا ، وإن كان معها واو ؛ لأن الفعل متروك ، فكأنها لأول الكلام . 
قوله : ( قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة   ) . يقول - تعالى ذكره - : قل يا محمد ،  لهؤلاء الذين يستأذنونك ويقولون : ( إن بيوتنا عورة   ) هربا من القتل : من ذا الذي يمنعكم من الله إن هو أراد بكم سوءا في أنفسكم ، من قتل أو بلاء أو غير ذلك ، أو عافية وسلامة ؟ وهل ما يكون بكم في أنفسكم من سوء أو رحمة إلا من قبله ؟ . 
كما حدثنا ابن حميد  قال : ثنا سلمة ،  عن ابن إسحاق  قال : ثني يزيد بن رومان   ( قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة   ) أي أنه ليس الأمر  [ ص: 230 ] إلا ما قضيت . 
وقوله : ( ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا   ) يقول - تعالى ذكره - : ولا يجد هؤلاء المنافقون إن أراد الله بهم سوءا في أنفسهم وأموالهم ( من دون الله وليا   ) يليهم بالكفاية ( ولا نصيرا ) ينصرهم من الله فيدفع عنهم ما أراد الله بهم من سوء ذلك . 
				
						
						
