يقول - تعالى ذكره - : ( وقال الذين استضعفوا ) من الكفرة بالله في الدنيا ، فكانوا أتباعا لرؤسائهم في الضلالة ( للذين استكبروا ) فيها ، فكانوا لهم رؤساء ( بل مكر ) كم لنا ب ( الليل والنهار ) صدنا عن الهدى ( إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له ) أمثالا وأشباها في العبادة والألوهة ، فأضيف إلى الليل والنهار . والمعنى ما ذكرنا من مكر المستكبرين بالمستضعفين في الليل والنهار ، على اتساع العرب في الذي قد عرف معناها فيه من منطقها ، من نقل صفة الشيء إلى غيره ، فتقول للرجل : يا فلان نهارك صائم وليلك قائم ، وكما [ ص: 408 ] قال الشاعر :
ونمت وما ليل المطي بنائم
وما أشبه ذلك مما قد مضى بياننا له في غير هذا الموضع من كتابنا هذا .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا ) يقول : بل مكركم بنا في الليل والنهار أيها العظماء الرؤساء حتى أزلتمونا عن عبادة الله .
وقد ذكر في تأويله عن سعيد بن جبير ما حدثنا أبو كريب قال : ثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير ( بل مكر الليل والنهار ) قال : مر الليل والنهار .
وقوله ( إذ تأمروننا أن نكفر بالله ) يقول : حين تأمروننا أن نكفر بالله .
وقوله ( ونجعل له أندادا ) يقول : شركاء .
كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله [ ص: 409 ] ( ونجعل له أندادا ) شركاء .
قوله ( وأسروا الندامة لما رأوا العذاب ) يقول : وندموا على ما فرطوا من طاعة الله في الدنيا حين عاينوا عذاب الله الذي أعده لهم .
كما حدثنا بشر قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وأسروا الندامة ) بينهم ( لما رأوا العذاب ) .
قوله ( وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا ) وغلت أيدي الكافرين بالله في جهنم إلى أعناقهم في جوامع من نار جهنم ، جزاء بما كانوا بالله في الدنيا يكفرون ، يقول - جل ثناؤه - : ما يفعل الله ذلك بهم إلا ثوابا لأعمالهم الخبيثة التي كانوا في الدنيا يعملونها ، ومكافأة لهم عليها .