[ ص: 441 ] القول في تأويل قوله تعالى ( أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون ( 8 ) )
يقول - تعالى ذكره - : أفمن ، وعبادة ما دونه من الآلهة والأوثان ، فرآه حسنا فحسب سيئ ذلك حسنا ، وظن أن قبحه جميل ، لتزيين الشيطان ذلك له . ذهبت نفسك عليهم حسرات ، وحذف من الكلام : ذهبت نفسك عليهم حسرات اكتفاء بدلالة قوله ( حسن له الشيطان أعماله السيئة من معاصي الله والكفر به فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ) منه ، وقوله ( فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء ) يقول : فإن الله يخذل من يشاء عن الإيمان به واتباعك وتصديقك ، فيضله عن الرشاد إلى الحق في ذلك ، ويهدي من يشاء ، يقول : ويوفق من يشاء للإيمان به واتباعك والقبول منك ، فتهديه إلى سبيل الرشاد ( فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ) يقول : فلا تهلك نفسك حزنا على ضلالتهم وكفرهم بالله وتكذيبهم لك .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء ) قال قتادة ، والحسن : الشيطان زين لهم ( فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ) أي : لا يحزنك ذلك عليهم ; فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قول الله ( فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ) قال : الحسرات الحزن ، وقرأ قول الله ( يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله ) ووقع قوله ( فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء ) موضع [ ص: 442 ] الجواب ، وإنما هو منبع الجواب ، لأن الجواب هو المتروك الذي ذكرت ، فاكتفى به من الجواب لدلالته على الجواب ومعنى الكلام .
واختلفت القراء في قراءة قوله ( فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ) فقرأته قراء الأمصار سوى أبي جعفر المدني ( فلا تذهب نفسك ) بفتح التاء من " تذهب " و " نفسك " برفعها . وقرأ ذلك أبو جعفر ( فلا تذهب ) بضم التاء من " تذهب " و " نفسك " بنصبها ، بمعنى : لا تذهب أنت يا محمد نفسك .
والصواب من القراءة في ذلك عندنا ما عليه قراء الأمصار ; لإجماع الحجة من القراء عليه .
وقوله ( إن الله عليم بما يصنعون ) يقول - تعالى ذكره - : إن الله يا محمد ذو علم بما يصنع هؤلاء الذين زين لهم الشيطان سوء أعمالهم ، وهو محصيه عليهم ، ومجازيهم به جزاءهم .