القول في تأويل قوله تعالى : ( جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير ( 33 ) وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور ( 34 ) )
يقول - تعالى ذكره - : بساتين إقامة يدخلونها هؤلاء الذين أورثناهم الكتاب ، الذين اصطفينا من عبادنا يوم القيامة ( يحلون فيها من أساور من ذهب ) يلبسون في جنات عدن أسورة من ذهب ( ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير ) يقول : ولباسهم في الجنة حرير .
الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ) اختلف أهل التأويل في الحزن الذي حمد الله على إذهابه عنهم هؤلاء القوم ; فقال بعضهم : ذلك [ ص: 472 ] الحزن الذي كانوا فيه قبل دخولهم الجنة من خوف النار إذ كانوا خائفين أن يدخلوها . وقوله (
ذكر من قال ذلك :
حدثني قتادة بن سعيد بن قتادة السدوسي قال : ثنا صاحب الدستوائي قال : ثنا أبي ، عن معاذ بن هشام عمرو بن مالك ، عن أبي الجوزاء ، عن ابن عباس في قوله ( الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ) قال : حزن النار .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا ابن المبارك ، عن معمر ، عن يحيى بن المختار ، عن الحسن ( وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ) قال : إن المؤمنين قوم ذلل ، ذلت والله الأسماع والأبصار والجوارح ، حتى يحسبهم الجاهل مرضى ، وما بالقوم مرض ، وإنهم لأصحة القلوب ولكن دخلهم من الخوف ما لم يدخل غيرهم ، ومنعهم من الدنيا علمهم بالآخرة ، فقالوا ( الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ) والحزن ، والله ما حزنهم حزن الدنيا ، ولا تعاظم في أنفسهم ما طلبوا به الجنة ، أبكاهم الخوف من النار ، وأنه من لا يتعز بعزاء الله يقطع نفسه على الدنيا حسرات ، ومن لم ير لله عليه نعمة إلا في مطعم أو مشرب فقد قل علمه وحضر عذابه .
وقال آخرون : عني به الموت .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب قال : ثنا ابن إدريس ، عن أبيه ، عن عطية في قوله ( الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ) قال : الموت .
وقال آخرون : عني به حزن الخبز .
[ ص: 473 ] ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال : ثنا يعقوب عن حفص يعني ابن حميد ، عن شمر قال : لما أدخل الله أهل الجنة الجنة قالوا ( الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ) قال : حزن الخبز .
وقال آخرون . عنى بذلك : الحزن من التعب الذي كانوا فيه في الدنيا .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ) قال : كانوا في الدنيا يعملون وينصبون وهم في خوف ، أو يحزنون .
وقال آخرون : بل عنى بذلك الحزن الذي ينال الظالم لنفسه في موقف القيامة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار قال : ثنا أبو أحمد قال : ثنا سفيان عن الأعمش قال : ذكر أبو ثابت أن أبا الدرداء قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " أما الظالم لنفسه فيصيبه في ذلك المكان من الغم والحزن فذلك قوله ( الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ) " .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله - تعالى ذكره - أخبر عن هؤلاء القوم الذين أكرمهم بما أكرمهم به أنهم قالوا حين دخلوا الجنة ( الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ) وخوف دخول النار من الحزن ، والجزع من الموت من الحزن ، والجزع من الحاجة إلى المطعم من الحزن . ولم يخصص الله إذ أخبر عنهم أنهم حمدوه على إذهابه الحزن عنهم نوعا دون نوع ، بل أخبر عنهم أنهم عموا جميع أنواع الحزن بقولهم ذلك ، وكذلك ذلك ; لأن من دخل الجنة فلا حزن [ ص: 474 ] عليه بعد ذلك ، فحمدهم على إذهابه عنهم جميع معاني الحزن .
وقوله ( إن ربنا لغفور شكور ) يقول - تعالى ذكره - مخبرا عن قيل هذه الأصناف الذين أخبر أنه اصطفاهم من عباده عند دخولهم الجنة : إن ربنا لغفور لذنوب عباده الذين تابوا من ذنوبهم ، فساترها عليهم بعفوه لهم عنها ، شكور لهم على طاعتهم إياه ، وصالح ما قدموا في الدنيا من الأعمال .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( إن ربنا لغفور شكور ) لحسناتهم .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا يعقوب ، عن حفص ، عن شمر ( إن ربنا لغفور شكور ) غفر لهم ما كان من ذنب ، وشكر لهم ما كان منهم .