القول في تأويل قوله تعالى ( ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون ( 68 ) وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين ( 69 ) لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين ( 70 ) )
يقول - تعالى ذكره - ( ومن نعمره ) فنمد له في العمر ( ننكسه في الخلق ) نرده إلى مثل حاله في الصبا من الهرم والكبر ، وذلك هو النكس في الخلق ، فيصير لا يعلم شيئا بعد العلم الذي كان يعلمه .
وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( ومن نعمره ننكسه في الخلق ) يقول : من نمد له في العمر ننكسه في الخلق ؛ لكيلا يعلم بعد علم شيئا ، يعني الهرم .
واختلفت القراء في قراءة قوله ( ننكسه ) فقرأه عامة قراء المدينة والبصرة ، وبعض الكوفيين : ( ننكسه ) بفتح النون الأولى وتسكين الثانية . وقرأته عامة قراء الكوفة ( ننكسه ) بضم النون الأولى وفتح الثانية وتشديد الكاف .
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان في قراء الأمصار ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب ، غير أن التي عليها عامة قراء الكوفيين أعجب إلي ؛ لأن التنكيس من الله في الخلق إنما هو حال بعد حال ، وشيء بعد شيء ، فذلك تأييد للتشديد .
وكذلك اختلفوا في قراءة قوله ( أفلا يعقلون ) فقرأته قراء المدينة ( أفلا تعقلون ) بالتاء على وجه الخطاب . وقرأته قراء الكوفة بالياء على الخبر . وقراءة ذلك بالياء أشبه بظاهر التنزيل ؛ لأنه احتجاج من الله على المشركين الذين قال [ ص: 549 ] فيهم ( ولو نشاء لطمسنا على أعينهم ) فإخراج ذلك خبرا على نحو ما خرج قوله ( لطمسنا على أعينهم ) أعجب إلي ، وإن كان الآخر غير مدفوع .
ويعني - تعالى ذكره - بقوله ( أفلا يعقلون ) : أفلا يعقل هؤلاء المشركون قدرة الله على ما يشاء بمعاينتهم ما يعاينون من تصريفه خلقه فيما شاء وأحب من صغر إلى كبر ، ومن تنكيس بعد كبر في هرم .
وقوله وما علمناه الشعر وما ينبغي له ) يقول - تعالى ذكره - : وما علمنا ( محمدا الشعر ، وما ينبغي له أن يكون شاعرا .
كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( وما علمناه الشعر وما ينبغي له ) قال : قيل : هل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتمثل بشيء من الشعر؟ قالت : كان أبغض الحديث إليه ، غير أنه كان يتمثل ببيت أخي لعائشة بني قيس ، فيجعل آخره أوله ، وأوله آخره ، فقال له أبو بكر : إنه ليس هكذا ، فقال نبي الله : " إني والله ما أنا بشاعر ، ولا ينبغي لي " .
وقوله ( إن هو إلا ذكر ) يقول - تعالى ذكره - : ما هو إلا ذكر يعني بقوله ) إن هو ) أي : محمد إلا ذكر لكم - أيها الناس - ذكركم الله بإرساله إياه إليكم ، ونبهكم به على حظكم ( وقرآن مبين ) يقول : وهذا الذي جاءكم به محمد قرآن مبين ، يقول : يبين لمن تدبره بعقل ولب أنه تنزيل من الله أنزله إلى محمد ، وأنه ليس بشعر ولا مع كاهن .
كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وقرآن مبين ) قال : هذا القرآن .
وقوله لينذر من كان حيا ) يقول : إن ( محمد إلا ذكر لكم لينذر منكم - أيها الناس - من كان حي القلب ، يعقل ما يقال له ، ويفهم ما يبين له ، غير ميت الفؤاد بليد .
[ ص: 550 ] وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب قال : ثنا أبو معاوية ، عن رجل ، عن أبي روق ، عن الضحاك في قوله ( لينذر من كان حيا ) قال : من كان عاقلا .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( لينذر من كان حيا ) : حي القلب ، حي البصر .
قوله ( ويحق القول على الكافرين ) يقول : ويحق العذاب على أهل الكفر بالله ، المولين عن اتباعه ، المعرضين عما أتاهم به من عند الله .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ويحق القول على الكافرين ) بأعمالهم .