القول في تأويل قوله تعالى : ( قال قائل منهم إني كان لي قرين    ( 51 ) يقول أئنك لمن المصدقين   ( 52 ) أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمدينون   ( 53 ) ) 
يقول - تعالى ذكره - : قال قائل من أهل الجنة إذ أقبل بعضهم على بعض يتساءلون : ( إني كان لي قرين   ) فاختلف أهل التأويل في القرين الذي ذكر في هذا الموضع ، فقال بعضهم : كان ذلك القرين شيطانا ، وهو الذي كان يقول له : ( أئنك لمن المصدقين   ) بالبعث بعد الممات . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني محمد بن عمرو  قال : ثنا أبو عاصم  قال : ثنا عيسى ،  وحدثني الحارث  قال : ثنا الحسن  قال : ثنا ورقاء  جميعا ، عن ابن أبي نجيح  عن مجاهد  في قول الله : ( إني كان لي قرين   ) قال : شيطان  . وقال آخرون : ذلك القرين شريك كان له من بني آدم أو صاحب . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني محمد بن سعد  قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس  قوله ( قال قائل منهم إني كان لي قرين يقول أئنك لمن المصدقين   ) قال : هو الرجل المشرك يكون له الصاحب في الدنيا من أهل الإيمان ، فيقول له المشرك : إنك لتصدق بأنك مبعوث من بعد الموت أئذا كنا ترابا ؟ فلما أن صاروا إلى الآخرة وأدخل المؤمن الجنة ، وأدخل المشرك النار ، فاطلع المؤمن ، فرأى صاحبه في سواء الجحيم ( قال تالله إن كدت لتردين   ) 
حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد  قال : ثنا عتاب بن بشير ،  عن خصيف ،  عن فرات بن ثعلبة البهراني  في قوله ( إني كان لي قرين   ) قال : إن رجلين كانا شريكين ، فاجتمع لهما ثمانية آلاف دينار ، وكان أحدهما له حرفة ، والآخر ليس له حرفة ، فقال الذي له حرفة للآخر : ليس لك حرفة ، ما أراني  [ ص: 46 ] إلا مفارقك ومقاسمك ، فقاسمه وفارقه ، ثم إن الرجل اشترى دارا بألف دينار كانت لملك قد مات فدعا صاحبه فأراه . فقال : كيف ترى هذه الدار ابتعتها بألف دينار ؟ قال : ما أحسنها ، فلما خرج قال : اللهم إن صاحبي هذا قد ابتاع هذه الدار بألف دينار ، وإني أسألك دارا من دور الجنة ، فتصدق بألف دينار ، ثم مكث ما شاء الله أن يمكث . ثم إنه تزوج امرأة بألف دينار ، فدعاه وصنع له طعاما ، فلما أتاه قال : إني تزوجت هذه المرأة بألف دينار قال : ما أحسن هذا ، فلما انصرف قال : يا رب إن صاحبي تزوج امرأة بألف دينار ، وإني أسألك امرأة من الحور العين ، فتصدق بألف دينار ، ثم إنه مكث ما شاء الله أن يمكث . ثم اشترى بستانين بألفي دينار ، ثم دعاه فأراه ، فقال : إني ابتعت هذين البستانين ، فقال : ما أحسن هذا ، فلما خرج قال : يا رب إن صاحبي قد اشترى بستانين بألفي دينار ، وأنا أسألك بستانين من الجنة ، فتصدق بألفي دينار . ثم إن الملك أتاهما فتوفاهما ، ثم انطلق بهذا المتصدق فأدخله دارا تعجبه ، فإذا امرأة تطلع يضيء ما تحتها من حسنها ، ثم أدخله بستانين ، وشيئا - الله به عليم - فقال عند ذلك : ما أشبه هذا برجل كان من أمره كذا وكذا . قال : فإنه ذاك ، ولك هذا المنزل والبستانان والمرأة . قال : فإنه كان لي صاحب يقول : ( أئنك لمن المصدقين   ) قيل له : فإنه في الجحيم . قال : فهل أنتم مطلعون ؟ فاطلع فرآه في سواء الجحيم ، فقال عند ذلك : ( تالله إن كدت لتردين ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين   ) . . . . الآيات  . وهذا التأويل الذي تأوله فرات بن ثعلبة  يقوي قراءة من قرأ " إنك لمن المصدقين " بتشديد الصاد بمعنى : لمن المتصدقين ؛ لأنه يذكر أن الله - تعالى ذكره - إنما أعطاه ما أعطاه على الصدقة لا على التصديق . وقراءة قراء الأمصار على خلاف ذلك ، بل قراءتها بتخفيف الصاد وتشديد الدال . بمعنى : إنكار قرينه عليه التصديق أنه يبعث بعد الموت ، كأنه قال : أتصدق بأنك تبعث بعد مماتك ، وتجزى بعملك ، وتحاسب ؟ يدل على ذلك قول الله : ( أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمدينون   )  [ ص: 47 ] وهي القراءة الصحيحة عندنا التي لا يجوز خلافها ؛ لإجماع الحجة من القراء عليها . 
وقوله ( أئنا لمدينون   ) يقول : أئنا لمحاسبون ومجزيون بعد مصيرنا عظاما ولحومنا ترابا . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني محمد بن سعد  قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس  قوله ( أئنا لمدينون   ) يقول : أئنا لمجازون بالعمل ، كما تدين تدان  . 
حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة  قوله ( أئنا لمدينون   ) : أئنا لمحاسبون  . 
حدثنا محمد بن الحسين  قال : ثنا أحمد بن المفضل  قال : ثنا أسباط ،  عن  السدي   ( أئنا لمدينون   ) محاسبون  . 
				
						
						
