يقول - تعالى ذكره - : ( فلولا أنه ) يعني يونس ( كان من ) المصلين لله قبل البلاء الذي ابتلي به من العقوبة بالحبس في بطن الحوت ( للبث في بطنه إلى يوم يبعثون ) يقول : لبقي في بطن الحوت إلى يوم القيامة ، يوم يبعث الله فيه خلقه - محبوسا ، ولكنه كان من الذاكرين الله قبل البلاء ، فذكره الله في حال البلاء ، فأنقذه ونجاه .
وقد اختلف أهل التأويل في وقت تسبيح يونس الذي ذكره الله به ، فقال ( فلولا أنه كان من المسبحين ) فقال بعضهم نحو الذي قلنا في ذلك ، وقالوا مثل قولنا في معنى قوله ( من المسبحين )
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( فلولا أنه كان من المسبحين ) كان كثير الصلاة في الرخاء ، فنجاه الله بذلك قال : وقد كان يقال في الحكمة : إن العمل الصالح يرفع صاحبه إذا ما عثر ، فإذا صرع وجد متكأ .
حدثني يعقوب قال : ثنا عن بعض أصحابه ، عن ابن علية ، قتادة ، [ ص: 109 ] في قوله ( فلولا أنه كان من المسبحين ) قال : كان طويل الصلاة في الرخاء قال : وإن العمل الصالح يرفع صاحبه إذا عثر ، إذا صرع وجد متكئا .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : ثنا أبو النضر ، أن يزيد الرقاشي ، حدثه قال : سمعت أنس بن مالك قال : ولا أعلم إلا أن أنسا يرفع الحديث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أن يونس النبي حين بدا له أن يدعو الله بالكلمات حين ناداه وهو في بطن الحوت ، فقال : اللهم لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، فأقبلت الدعوة تحت العرش ، فقالت الملائكة : يا رب هذا صوت ضعيف معروف في بلاد غريبة قال : أما تعرفون ذلك ؟ قالوا يا رب ومن هو ؟ قال : ذلك عبدي يونس ، قالوا : عبدك يونس الذي لم يزل يرفع له عمل متقبل ودعوة مستجابة ، قالوا : يا رب أولا يرحم بما كان يصنع في الرخاء فتنجيه من البلاء ؟ قال : بلى ، فأمر الحوت فطرحه بالعراء " .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا سفيان ، عن عاصم ، عن أبي رزين ، عن ابن عباس ( فلولا أنه كان من المسبحين ) قال : من المصلين .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا سفيان ، عن أبي الهيثم ، عن سعيد بن جبير ( فلولا أنه كان من المسبحين ) قال : من المصلين .
حدثنا أبو كريب قال : ثنا ابن يمان ، عن أبي جعفر ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ( فلولا أنه كان من المسبحين ) قال : كان له عمل صالح فيما خلا .
حدثنا محمد بن الحسين قال : ثنا أحمد بن المفضل قال : ثنا أسباط ، عن في قوله ( السدي ، من المسبحين ) قال : المصلين .
[ ص: 110 ] حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : ثنا كثير بن هشام قال : ثنا جعفر قال : ثنا قال : سمعت ميمون بن مهران الضحاك بن قيس يقول على منبره : اذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدة ، إن يونس كان عبدا لله ذاكرا ، فلما أصابته الشدة دعا الله فقال الله : ( لولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون ) فذكره الله بما كان منه ، وكان فرعون طاغيا باغيا فلما أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين ( آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ) قال الضحاك : فاذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدة .
قال أبو جعفر : وقيل : إنما أحدث الصلاة التي أخبر الله عنه بها ، فقال : ( فلولا أنه كان من المسبحين ) في بطن الحوت .
وقال بعضهم : كان ذلك تسبيحا ، لا صلاة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار قال : ثنا أبو داود قال : ثنا عمران القطان قال : سمعت الحسن يقول في قوله ( فلولا أنه كان من المسبحين ) قال : فوالله ما كانت إلا صلاة أحدثها في بطن الحوت ، قال عمران : فذكرت ذلك لقتادة ، فأنكر ذلك وقال : كان والله يكثر الصلاة في الرخاء .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا حكام ، عن عنبسة ، عن المغيرة بن النعمان ، عن سعيد بن جبير : ( فالتقمه الحوت وهو مليم ) قال : قال ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) فلما قالها ، قذفه الحوت ، وهو مغرب .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( للبث في بطنه إلى يوم يبعثون ) : لصار له بطن الحوت قبرا إلى يوم القيامة .
[ ص: 111 ] حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا سفيان ، عن عن السدي ، أبي مالك قال : لبث يونس في بطن الحوت أربعين يوما .
وقوله ( فنبذناه بالعراء ) يقول : فقذفناه بالفضاء من الأرض ، حيث لا يواريه شيء من شجر ولا غيره ، ومنه قول الشاعر :
ورفعت رجلا لا أخاف عثارها ونبذت بالبلد العراء ثيابي
يعني بالبلد : الفضاء .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي قال : ثني أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله ( فنبذناه بالعراء ) يقول : ألقيناه بالساحل .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( فنبذناه بالعراء ) بأرض ليس فيها شيء ولا نبات .
حدثنا محمد بن الحسين قال : ثنا أحمد بن المفضل قال : ثنا أسباط ، عن في قوله ( بالعراء ) قال : بالأرض . وقوله ( وهو سقيم ) يقول : وهو كالصبي المنفوس : لحم نيء . السدي ،
كما حدثنا محمد بن الحسين قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن ( وهو سقيم ) كهيئة الصبي . السدي
[ ص: 112 ] حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن يزيد بن زياد ، عن عبد الله بن أبي سلمة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : خرج به ، يعني الحوت ، حتى لفظه في ساحل البحر ، فطرحه مثل الصبي المنفوس ، لم ينقص من خلقه شيء .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : ما لفظه الحوت حتى صار مثل الصبي المنفوس ، قد نشر اللحم والعظم ، فصار مثل الصبي المنفوس ، فألقاه في موضع ، وأنبت الله عليه شجرة من يقطين .
وقوله ( وأنبتنا عليه شجرة من يقطين ) يقول - تعالى ذكره - : وأنبتنا على يونس شجرة من الشجر التي لا تقوم على ساق ، وكل شجرة لا تقوم على ساق كالدباء والبطيخ والحنظل ونحو ذلك ، فهي عند العرب يقطين .
واختلف أهل التأويل في ذلك ، فقال بعضهم نحو الذي قلنا في ذلك .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : ثنا هشيم ، عن القاسم بن أبي أيوب ، عن سعيد بن جبير ، في قوله ( وأنبتنا عليه شجرة من يقطين ) قال : هو كل شيء ينبت على وجه الأرض ليس له ساق .
حدثني مطر بن محمد الضبي قال : ثنا يزيد قال : ثنا الأصبغ بن زيد ، عن القاسم بن أبي أيوب ، عن سعيد بن جبير ، في قوله ( وأنبتنا عليه شجرة من يقطين ) قال : كل شيء ينبت ثم يموت من عامه .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا سفيان ، عن حبيب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : ( شجرة من يقطين ) فقالوا عنده : القرع قال : وما يجعله أحق من البطيخ .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، [ ص: 113 ] عن مجاهد قوله ( شجرة من يقطين ) قال : غير ذات أصل من الدباء ، أو غيره من نحوه . وقال آخرون : هو القرع .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله ( وأنبتنا عليه شجرة من يقطين ) قال : القرع .
حدثنا قال : ثنا محمد بن المثنى محمد بن جعفر قال : ثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، عن عبد الله ، أنه قال في هذه الآية : ( وأنبتنا عليه شجرة من يقطين ) قال : القرع .
حدثني مطر بن محمد الضبي قال : ثنا عبد الله بن داود الواسطي قال : ثنا شريك ، عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون الأودي ، في قوله ( وأنبتنا عليه شجرة من يقطين ) قال : القرع .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وأنبتنا عليه شجرة من يقطين ) : كنا نحدث أنها الدباء ، هذا القرع الذي رأيتم أنبتها الله عليه يأكل منها .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : ثني أبو صخر قال : ثني ابن قسيط ، أنه سمع يقول : طرح بالعراء ، فأنبت الله عليه يقطينة ، فقلنا : يا أبا هريرة وما اليقطينة ؟ قال : الشجرة الدباء ، هيأ الله له أروية وحشية تأكل من خشاش الأرض - أو هشاش - فتفشح عليه فترويه من لبنها كل عشية وبكرة حتى نبت . وقال أبا هريرة ابن أبي الصلت قبل الإسلام في ذلك بيتا من شعر :
فأنبت يقطينا عليه برحمة من الله لولا الله ألفي ضاحيا
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله ( شجرة من يقطين ) قال : القرع .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : أنبت الله عليه شجرة من يقطين قال : فكان لا يتناول منها ورقة فيأخذها إلا أروته لبنا ، أو قال : شرب منها ما شاء حتى نبت .
حدثنا محمد بن الحسين قال : ثنا أحمد بن المفضل قال : ثنا أسباط ، عن في قوله ( السدي ، شجرة من يقطين ) قال : هو القرع ، والعرب تسميه الدباء .
حدثنا عمرو بن عبد الحميد قال : ثنا مروان بن معاوية ، عن ورقاء ، عن سعيد بن جبير في قول الله : ( وأنبتنا عليه شجرة من يقطين ) قال : هو القرع .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد قوله ( وأنبتنا عليه شجرة من يقطين ) قال : القرع .
وقال آخرون : كان اليقطين شجرة أظلت يونس .
ذكر من قال ذلك : [ ص: 115 ] حدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ثابت بن يزيد ، عن هلال بن خباب عن سعيد بن جبير قال : اليقطين شجرة سماها الله يقطينا أظلته ، وليس بالقرع . قال : فيما ذكر أرسل الله عليه دابة الأرض ، فجعلت تقرض عروقها ، وجعل ورقها يتساقط حتى أفضت إليه الشمس وشكاها ، فقال : يا يونس جزعت من حر الشمس ، ولم تجزع لمائة ألف أو يزيدون تابوا إلي ، فتبت عليهم ؟