قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " إذ قال له ربه أسلم " ، إذ قال له ربه : أخلص لي العبادة ، واخضع لي بالطاعة ، وقد دللنا فيما مضى على معنى "الإسلام" في كلام العرب ، فأغنى عن إعادته .
وأما معنى قوله : "قال أسلمت لرب العالمين" ، فإنه يعني تعالى ذكره ، قال إبراهيم مجيبا لربه : خضعت بالطاعة ، وأخلصت العبادة ، لمالك جميع الخلائق ومدبرها دون غيره .
فإن قال قائل : قد علمت أن "إذ" وقت ، فما الذي وقت به ؟ وما الذي هو له صلة .
قيل : هو صلة لقوله : "ولقد اصطفيناه في الدنيا" . وتأويل الكلام : ولقد اصطفيناه في الدنيا ، حين قال له ربه : أسلم . قال : أسلمت لرب العالمين . وإنما معنى الكلام : ولقد اصطفيناه في الدنيا حين قلنا له : أسلم . قال : أسلمت لرب العالمين . فأظهر اسم "الله" في قوله : " إذ قال له ربه أسلم " ، على وجه الخبر [ ص: 93 ] عن غائب ، وقد جرى ذكره قبل على وجه الخبر عن نفسه ، كما قال خفاف بن ندبة :
أقول له - والرمح يأطر متنه : تأمل خفافا إنني أنا ذالكا
فإن قال لنا قائل : وهل دعا الله إبراهيم إلى الإسلام ؟
قيل له : نعم ، قد دعاه إليه .
فإن قال : وفي أي حال دعاه إليه ؟
قيل حين قال : ( يا قوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين ) [ سورة الأنعام : 78 - 79 ] ، وذلك هو الوقت الذي قال له ربه : أسلم - من بعد ما امتحنه بالكواكب والقمر والشمس .