قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "ووصى بها" ، ووصى بهذه الكلمة . عنى ب"الكلمة" قوله "أسلمت لرب العالمين" ، وهي "الإسلام" [ ص: 94 ] الذي أمر به نبيه صلى الله عليه وسلم ، وهو إخلاص العبادة والتوحيد لله ، وخضوع القلب والجوارح له .
ويعني بقوله : "ووصى بها إبراهيم بنيه" ، عهد إليهم بذلك وأمرهم به .
وأما قوله : "ويعقوب" ، فإنه يعني : ووصى بذلك أيضا يعقوب بنيه ، كما : -
2086 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا قال : حدثنا يزيد بن زريع سعيد ، عن قتادة قوله : "ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب" ، يقول : ووصى بها يعقوب بنيه بعد إبراهيم .
2087 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : "ووصى بها إبراهيم بنيه" ، وصاهم بالإسلام ، ووصى يعقوب بمثل ذلك .
قال أبو جعفر : وقال بعضهم : قوله : ( ووصى بها إبراهيم بنيه ) ، خبر منقض . وقوله : " ويعقوب " خبر مبتدأ . فإنه قال : " ووصى بها إبراهيم بنيه " . بأن يقولوا : أسلمنا لرب العالمين - ووصى يعقوب بنيه : أن : " يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون " .
ولا معنى لقول من قال ذلك . لأن الذي أوصى به يعقوب بنيه ، نظير الذي أوصى به إبراهيم بنيه : من الحث على طاعة الله ، والخضوع له ، والإسلام .
فإن قال قائل : فإن كان الأمر على ما وصفت : من أن معناه : ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب : أن "يا بني" - فما بال "أن" محذوفة من الكلام ؟
قيل : لأن الوصية قول ، فحملت على معناها . وذلك أن ذلك لو جاء بلفظ [ ص: 95 ] القول ، لم تحسن معه"أن" ، وإنما كان يقال : وقال إبراهيم لبنيه ويعقوب : "يا بني" . فلما كانت الوصية قولا حملت على معناها دون لفظها ، فحذفت "أن" التي تحسن معها ، كما قال تعالى ذكره : ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ) [ سورة النساء : 11 ] ، وكما قال الشاعر :
إني سأبدي لك فيما أبدي لي شجنان شجن بنجد
وشجن لي ببلاد السند
فحذفت "أن" ، إذ كان الإبداء باللسان في المعنى قولا فحمله على معناه دون لفظه .
وقد قال بعض أهل العربية : إنما حذفت "أن" من قوله : " ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب " ، اكتفاء بالنداء - يعني بالنداء قوله : "يا بني" وزعم أن علته في ذلك أن من شأن العرب الاكتفاء بالأدوات عن "أن" ، كقولهم : "ناديت هل قمت ؟ - وناديت أين زيد ؟" . قال : وربما أدخلوها مع الأدوات . فقالوا : "ناديت ، أن هل قمت ؟" .
[ ص: 96 ] وقد قرأ جماعة من القرأة : "وأوصى بها إبراهيم" ، بمعنى : عهد .
وأما من قرأ "ووصى" مشددة ، فإنه يعني بذلك أنه عهد إليهم عهدا بعد عهد ، وأوصى وصية بعد وصية .