[ ص: 190 ] القول في تأويل قوله تعالى :  ( وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا  ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار   ( 27 ) أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار   ( 28 ) كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب   ( 29 ) ) 
يقول - تعالى ذكره - : ( وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما   ) عبثا ولهوا ، ما خلقناهما إلا ليعمل فيهما بطاعتنا ، وينتهى إلى أمرنا ونهينا . 
( ذلك ظن الذين كفروا   ) يقول : أي ظن أنا خلقنا ذلك باطلا ولعبا ، ظن الذين كفروا بالله فلم يوحدوه ، ولم يعرفوا عظمته ، وأنه لا ينبغي أن يعبث ، فيتيقنوا بذلك أنه لا يخلق شيئا باطلا . ( فويل للذين كفروا من النار   ) يعني : من نار جهنم . وقوله ( أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض   ) يقول : أنجعل الذين صدقوا الله ورسوله وعملوا بما أمر الله به ، وانتهوا عما نهاهم عنه ( كالمفسدين في الأرض   ) يقول : كالذين يشركون بالله ويعصونه ويخالفون أمره ونهيه . 
( أم نجعل المتقين   ) يقول : الذين اتقوا الله بطاعته وراقبوه ، فحذروا معاصيه ( كالفجار ) يعني : كالكفار المنتهكين حرمات الله . 
وقوله ( كتاب أنزلناه إليك   ) يقول - تعالى ذكره - لنبيه محمد   - صلى الله عليه وسلم - : وهذا القرآن ( كتاب أنزلناه إليك   ) يا محمد   ( مبارك ليدبروا آياته   ) يقول : ليتدبروا حجج الله التي فيه ، وما شرع فيه من شرائعه ، فيتعظوا ويعملوا به . 
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة القراء : ( ليدبروا ) بالياء ، يعني : ليتدبر هذا القرآن من أرسلناك إليه من قومك يا محمد   . وقراءة أبو جعفر  وعاصم   " لتدبروا آياته " بالتاء ، بمعنى : لتتدبره أنت يا محمد  وأتباعك . 
وأولى القراءتين عندنا بالصواب في ذلك أن يقال : إنهما قراءتان مشهورتان  [ ص: 191 ] صحيحتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب ( وليتذكر أولو الألباب   ) يقول : وليعتبر أولو العقول والحجا ما في هذا الكتاب من الآيات ، فيرتدعوا عما هم عليه مقيمين من الضلالة ، وينتهوا إلى ما دلهم عليه من الرشاد وسبيل الصواب . 
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله ( أولو الألباب ) قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا محمد  قال : ثنا أحمد  قال : ثنا أسباط ،  عن  السدي   ( أولو الألباب ) قال : أولو العقول من الناس ، وقد بينا ذلك فيما مضى قبل بشواهده ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع  . 
				
						
						
