القول في تأويل قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=23nindex.php?page=treesubj&link=29012_18794وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين ( 23 ) )
يقول - تعالى ذكره - : وهذا الذي كان منكم في الدنيا من ظنكم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون من قبائح أعمالكم ومساويها ، هو ظنكم الذي ظننتم بربكم في الدنيا أرداكم ، يعني أهلككم . يقال منه : أردى فلانا كذا وكذا : إذا أهلكه ، وردي هو : إذا هلك ، فهو يردى ردى؛ ومنه قول الأعشى ؟
أفي الطوف خفت علي الردى وكم من ردى أهله لم يرم
يعني : وكم من هالك أهله لم يرم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد ، قال : ثنا
أحمد قال : ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي قوله : ( أرداكم ) قال : أهلككم .
حدثنا
ابن عبد الأعلى قال : ثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر قال : تلا
الحسن : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=23وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم ) فقال : إنما عمل الناس
[ ص: 457 ] على قدر ظنونهم بربهم؛ فأما المؤمن فأحسن بالله الظن ، فأحسن العمل؛ وأما الكافر والمنافق ، فأساءا الظن فأساءا العمل ، قال ربكم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=22وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ) . . . حتى بلغ : الخاسرين . قال
معمر : وحدثني رجل : أنه يؤمر برجل إلى النار ، فيلتفت فيقول : يا رب ما كان هذا ظني بك ، قال : وما كان ظنك بي ؟ قال : كان ظني أن تغفر لي ولا تعذبني ، قال : فإني عند ظنك بي " .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قال : الظن ظنان ، فظن منج ، وظن مرد قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=46الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم ) قال (
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=20إني ظننت أني ملاق حسابيه ) ، وهذا الظن المنجي ظنا يقينا ، وقال ها هنا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=23وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم ) هذا ظن مرد .
وقوله : وقال الكافرون (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=32إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين ) وذكر لنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول ويروي ذلك عن ربه : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=810972عبدي عند ظنه بي ، وأنا معه إذا دعاني " . وموضع قوله : ( ذلكم ) رفع بقوله ظنكم . وإذا كان ذلك كذلك ، كان قوله : ( أرداكم ) في موضع نصب بمعنى : مرديا لكم . وقد يحتمل أن يكون في موضع رفع بالاستئناف ، بمعنى : مرد لكم ، كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=2تلك آيات الكتاب الحكيم هدى ورحمة ) في قراءة من قرأه بالرفع . فمعنى الكلام : هذا الظن الذي ظننتم بربكم من أنه لا يعلم كثيرا مما تعملون هو الذي أهلككم ، لأنكم من أجل هذا الظن اجترأتم على محارم الله فقدمتم عليها ، وركبتم ما نهاكم الله عنه ، فأهلككم ذلك وأرداكم . يقول : فأصبحتم اليوم من الهالكين ، قد غبنتم ببيعكم منازلكم من الجنة بمنازل أهل الجنة من النار .
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=23nindex.php?page=treesubj&link=29012_18794وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ( 23 ) )
يَقُولُ - تَعَالَى ذِكْرُهُ - : وَهَذَا الَّذِي كَانَ مِنْكُمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ ظَنِّكُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ مِنْ قَبَائِحَ أَعْمَالِكُمْ وَمُسَاوِيهَا ، هُوَ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ فِي الدُّنْيَا أَرْدَاكُمْ ، يَعْنِي أُهْلَكَكُمْ . يُقَالُ مِنْهُ : أَرْدَى فُلَانًا كَذَا وَكَذَا : إِذَا أَهْلَكَهُ ، وَرَدِيَ هُوَ : إِذَا هَلَكَ ، فَهُوَ يَرْدَى رَدَى؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْشَى ؟
أَفِي الطَّوْفِ خِفْتِ عَلَيَّ الرَّدَى وَكَمْ مِنْ رَدًى أَهْلَهُ لَمْ يَرِمْ
يَعْنِي : وَكَمْ مِنْ هَالِكٍ أَهْلَهُ لَمْ يَرِمْ .
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ ، قَالَ : ثَنَا
أَحْمَدُ قَالَ : ثَنَا
أَسْبَاطٌ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ قَوْلَهُ : ( أَرْدَاكُمْ ) قَالَ : أُهْلَكَكُمْ .
حَدَّثَنَا
ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ : ثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ ، عَنْ
مَعْمَرٍ قَالَ : تَلَا
الْحَسَنُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=23وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ ) فَقَالَ : إِنَّمَا عَمَلُ النَّاسِ
[ ص: 457 ] عَلَى قَدْرِ ظُنُونِهِمْ بِرَبِّهِمْ؛ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَأَحْسَنَ بِاللَّهِ الظَّنَّ ، فَأَحْسَنَ الْعَمَلَ؛ وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ ، فَأَسَاءَا الظَّنَّ فَأَسَاءَا الْعَمَلَ ، قَالَ رَبُّكُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=22وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ ) . . . حَتَّى بَلَغَ : الْخَاسِرِينَ . قَالَ
مَعْمَرٌ : وَحَدَّثَنِي رَجُلٌ : أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِرَجُلٍ إِلَى النَّارِ ، فَيَلْتَفِتُ فَيَقُولُ : يَا رَبِّ مَا كَانَ هَذَا ظَنِّي بِكَ ، قَالَ : وَمَا كَانَ ظَنُّكَ بِي ؟ قَالَ : كَانَ ظَنِّي أَنْ تَغْفِرَ لِي وَلَا تُعَذِّبَنِي ، قَالَ : فَإِنِّي عِنْدَ ظَنِّكَ بِي " .
حَدَّثَنَا
بِشْرٌ قَالَ : ثَنَا
يَزِيدُ قَالَ : ثَنَا
سَعِيدٌ ، عَنْ
قَتَادَةَ قَالَ : الظَّنُّ ظَنَّانِ ، فَظَنٌّ مُنْجٍ ، وَظَنٌّ مُرْدٍ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=46الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ ) قَالَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=20إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ) ، وَهَذَا الظَّنُّ الْمُنَجِّي ظَنًّا يَقِينًا ، وَقَالَ هَا هُنَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=23وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ ) هَذَا ظَنٌّ مُرْدٍ .
وَقَوْلُهُ : وَقَالَ الْكَافِرُونَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=32إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ ) وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ وَيَرْوِي ذَلِكَ عَنْ رَبِّهِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=810972عَبْدِي عِنْدَ ظَنِّهِ بِي ، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِي " . وَمَوْضِعُ قَوْلِهِ : ( ذَلِكُمْ ) رَفْعٌ بِقَوْلِهِ ظَنُّكُمْ . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ ، كَانَ قَوْلُهُ : ( أَرْدَاكُمْ ) فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِمَعْنَى : مُرْدِيًا لَكُمْ . وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِاسْتِئْنَافِ ، بِمَعْنَى : مُرْدٍ لَكُمْ ، كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=2تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ هُدًى وَرَحْمَةً ) فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهُ بِالرَّفْعِ . فَمَعْنَى الْكَلَامِ : هَذَا الظَّنُّ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ مِنْ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ هُوَ الَّذِي أَهْلَكَكُمْ ، لِأَنَّكُمْ مِنْ أَجْلِ هَذَا الظَّنِّ اجْتَرَأْتُمْ عَلَى مَحَارِمِ اللَّهِ فَقَدِمْتُمْ عَلَيْهَا ، وَرَكِبْتُمْ مَا نَهَاكُمُ اللَّهُ عَنْهُ ، فَأَهْلَكَكُمْ ذَلِكَ وَأَرْدَاكُمْ . يَقُولُ : فَأَصْبَحْتُمُ الْيَوْمَ مِنَ الْهَالِكِينَ ، قَدْ غَبِنْتُمْ بِبَيْعِكُمْ مَنَازِلَكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ بِمَنَازِلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنَ النَّارِ .