القول في تأويل قوله تعالى : ( ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير    ( 27 ) ) 
ذكر أن هذه الآية نزلت من أجل قوم من أهل الفاقة من المسلمين تمنوا سعة الدنيا والغنى ، فقال - جل ثناؤه - : ولو بسط الله الرزق لعباده ، فوسعه وكثره عندهم لبغوا ، فتجاوزوا الحد الذي حده الله لهم إلى غير الذي حده لهم في بلاده بركوبهم في الأرض ما حظره عليهم ، ولكنه ينزل رزقهم بقدر لكفايتهم الذي يشاء منه . 
ذكر من قال ذلك : 
يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : قال أبو هانئ   : سمعت عمرو بن حريث  وغيره يقولون : إنما أنزلت هذه الآية في أصحاب الصفة  [ ص: 536 ]  ( ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء   ) ذلك بأنهم قالوا : لو أن لنا ، فتمنوا . 
حدثنا محمد بن سنان القزاز  قال : ثنا  أبو عبد الرحمن المقري  قال : ثنا حيوة  قال : أخبرني أبو هانئ  ، أنه سمع عمرو بن حريث  يقول : إنما نزلت هذه الآية ، ثم ذكر مثله . 
حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد  ، عن قتادة   ( ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض   ) . . . الآية قال : كان يقال : خير الرزق ما لا يطغيك ولا يلهيك  . 
وذكر لنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " أخوف ما أخاف على أمتي زهرة الدنيا وكثرتها " . فقال له قاتل : يا نبي الله هل يأتي الخير بالشر ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : وهل يأتي الخير بالشر ؟ " فأنزل الله عليه عند ذلك ، وكان إذا نزل عليه كرب لذلك ، وتربد وجهه ، حتى إذا سري عن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " هل يأتي الخير بالشر " يقولها ثلاثا : " إن الخير لا يأتي إلا بالخير " يقولها ثلاثا . وكان - صلى الله عليه وسلم - وتر الكلام : ولكنه والله ما كان ربيع قط إلا أحبط أو ألم فأما عبد أعطاه الله مالا فوضعه فى سبيل الله التي افترض وارتضى ، فذلك عبد أريد به خير ، وعزم له على الخير ، وأما عبد أعطاه الله مالا فوضعه في شهواته ولذاته ، وعدل عن حق الله عليه ، فذلك عبد أريد به شر ، وعزم له على شر  " . 
وقوله : ( إنه بعباده خبير بصير   ) يقول - تعالى ذكره - : إن الله بما يصلح عباده ويفسدهم من غنى وفقر وسعة وإقتار ، وغير ذلك من مصالحهم ومضارهم ، ذو خبرة ، وعلم ، بصير بتدبيرهم ، وصرفهم فيما فيه صلاحهم . 
				
						
						
