القول في تأويل قوله تعالى : ( وقالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون    ( 58 ) إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل   ( 59 ) ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون   ( 60 ) )  [ ص: 628 ] 
يقول - تعالى ذكره - : وقال مشركو قومك يا محمد   : آلهتنا التي نعبدها خير ؟ أم محمد  فنعبد محمدا ؟  ونترك آلهتنا ؟ . 
وذكر أن ذلك في قراءة أبي بن كعب   : " أآلهتنا خير أم هذا " . 
ذكر الرواية بذلك : حدثنا ابن عبد الأعلى  قال : ثنا ابن ثور  عن معمر  ، عن قتادة  أن في حرف أبي بن كعب   " وقالوا أآلهتنا خير أم هذا " يعنون محمدا   - صلى الله عليه وسلم - . 
وقال آخرون : بل عنى بذلك : آلهتنا خير أم عيسى ؟   . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا محمد بن الحسين  قال : ثنا أحمد بن المفضل  قال : ثنا أسباط  ، عن  السدي  ، في قوله : ( وقالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون   ) قال : خاصموه ، فقالوا : يزعم أن كل من عبد من دون الله في النار ، فنحن نرضى أن تكون آلهتنا مع عيسى  وعزير  والملائكة هؤلاء قد عبدوا من دون الله ، قال : فأنزل الله براءة عيسى   . 
حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : قال ابن زيد  ، فى قوله : ( أآلهتنا خير   ) قال : عبد هؤلاء عيسى  ، ونحن نعبد الملائكة  . 
وقوله : ( ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون   ) . . . . إلى ( في الأرض يخلفون   ) . وقوله - تعالى ذكره - : ( ما ضربوه لك إلا جدلا   ) يقول - تعالى ذكره - : ما مثلوا لك هذا المثل يا محمد  ولا قالوا لك هذا القول إلا جدلا وخصومة يخاصمونك به ( بل هم قوم خصمون   ) يقول - جل ثناؤه - : ما بقومك يا محمد  هؤلاء المشركين في محاجتهم إياك بما يحاجونك به طلب الحق ( بل هم قوم خصمون   ) يلتمسون الخصومة بالباطل .  [ ص: 629 ] 
وذكر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " ما ضل قوم عن الحق إلا أوتوا الجدل  " . 
ذكر الرواية ذلك : حدثنا  ابن المثنى  قال : ثنا يعلى  قال : ثنا الحجاج بن دينار  ، عن أبي غالب  عن أبي أمامة  قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ، وقرأ : ( ما ضربوه لك إلا جدلا   ) . . . الآية  . 
حدثني موسى بن عبد الرحمن الكندي  وأبو كريب  قالا ثنا محمد بن بشر  قال : ثنا حجاج بن دينار  ، عن أبي أمامة   " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج على الناس وهم يتنازعون في القرآن ، فغضب غضبا شديدا ، حتى كأنما صب على وجهه الخل ، ثم قال - صلى الله عليه وسلم - : " لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض ، فإنه ما ضل قوم قط إلا أوتوا الجدل " ثم تلا ( ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون   )  . 
وقوله : ( إن هو إلا عبد أنعمنا عليه   ) يقول - تعالى ذكره - : فما عيسى  إلا عبد من عبادنا ، أنعمنا عليه بالتوفيق والإيمان ، وجعلناه مثلا لبني إسرائيل  ، يقول : وجعلناه آية لبني إسرائيل  ، وحجة لنا عليهم بإرسالناه إليهم بالدعاء إلينا ، وليس هو كما تقول النصارى  من أنه ابن الله تعالى ، تعالى الله عن ذلك . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد  ، عن قتادة   : ( إن هو إلا عبد أنعمنا عليه   ) يعني بذلك عيسى ابن مريم  ، ما عدا ذلك عيسى ابن مريم  ، إن كان إلا عبدا أنعم الله عليه  . 
وبنحو الذي قلنا أيضا في قوله : ( وجعلناه مثلا لبني إسرائيل   ) قالوا .  [ ص: 630 ] 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا ابن عبد الأعلى  قال : ثنا ابن ثور  ، عن قتادة   ( مثلا لبني إسرائيل   ) أحسبه قال : آية لبني إسرائيل   . 
حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد  ، عن قتادة   ( وجعلناه مثلا لبني إسرائيل   ) أي آية  . 
قوله : ( ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون   ) يقول - تعالى ذكره - : ولو نشاء معشر بني آدم أهلكناكم ، فأفنينا جميعكم ، وجعلنا بدلا منكم في الأرض ملائكة يخلفونكم فيها يعبدونني وذلك نحو قوله - تعالى ذكره - : ( إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديرا   ) وكما قال : ( إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء   ) . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، غير أن منهم من قال : معناه : يخلف بعضهم بعضا . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني علي  قال : ثنا أبو صالح  قال : ثني معاوية  ، عن علي  ، عن ابن عباس  قوله : ( ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون   ) يقول : يخلف بعضهم بعضا  . 
حدثني محمد بن عمرو  قال : ثنا أبو عاصم  قال : ثنا عيسى  ، وحدثني الحارث  قال : ثنا الحسن  قال : ثنا ورقاء  جميعا ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد  قوله : ( لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون   ) قال : يعمرون الأرض بدلا منكم  . 
حدثنا ابن عبد الأعلى  قال : ثنا ابن ثور  ، عن معمر  ، عن قتادة  ، في قوله : ( ملائكة في الأرض يخلفون   ) قال : يخلف بعضهم بعضا ، مكان بني آدم  .  [ ص: 631 ] 
حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد  ، عن قتادة   ( ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون   ) لو شاء الله لجعل في الأرض ملائكة يخلف بعضهم بعضا  . 
حدثنا محمد  قال : ثنا أحمد  قال : ثنا أسباط  ، عن  السدي   ( ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون   ) قال : خلفا منكم  . 
				
						
						
