[ ص: 7 ]
القول في تأويل قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=1حم ( 1 )
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=2والكتاب المبين ( 2 )
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=3nindex.php?page=treesubj&link=29015_26777إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين ( 3 )
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=4فيها يفرق كل أمر حكيم ( 4 )
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=5أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين ( 5 )
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=6رحمة من ربك إنه هو السميع العليم ( 6 ) )
قد تقدم بياننا في معنى قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=1حم والكتاب المبين ) وقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=3إنا أنزلناه في ليلة مباركة ) أقسم - جل ثناؤه - بهذا الكتاب أنه أنزله في ليلة مباركة .
واختلف أهل التأويل في تلك الليلة ، أي ليلة من ليالي السنة هي ؟ فقال بعضهم : هي ليلة القدر .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=3إنا أنزلناه في ليلة مباركة ) : ليلة القدر ، ونزلت صحف
إبراهيم في أول ليلة من رمضان ، ونزلت التوراة لست ليال مضت من رمضان ، ونزل الزبور لست عشرة مضت من رمضان ، ونزل الإنجيل لثمان عشرة مضت من رمضان ، ونزل الفرقان لأربع وعشرين مضت من رمضان .
حدثنا
ابن عبد الأعلى قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=3في ليلة مباركة ) قال : هي ليلة القدر .
[ ص: 8 ]
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله - عز وجل - (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=3إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين ) قال : تلك الليلة ليلة القدر ، أنزل الله هذا القرآن من أم الكتاب في ليلة القدر ، ثم أنزله على الأنبياء في الليالي والأيام ، وفي غير ليلة القدر .
وقال آخرون : بل هي ليلة النصف من شعبان .
والصواب من القول في ذلك قول من قال : عنى بها ليلة القدر ؛ لأن الله - جل ثناؤه - أخبر أن ذلك كذلك لقوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=3إنا كنا منذرين ) خلقنا بهذا الكتاب الذي أنزلناه في الليلة المباركة عقوبتنا أن تحل بمن كفر منهم ، فلم ينب إلى توحيدنا ، وإفراد الألوهة لنا .
وقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=4فيها يفرق كل أمر حكيم ) اختلف أهل التأويل في هذه الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم نحو اختلافهم في الليلة المباركة ، وذلك أن الهاء التي في قوله ( فيها ) عائدة على الليلة المباركة ، فقال بعضهم : هي ليلة القدر ، يقضى فيها أمر السنة كلها من يموت ، ومن يولد ، ومن يعز ، ومن يذل ، وسائر أمور السنة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
مجاهد بن موسى قال : ثنا
يزيد قال : أخبرنا
ربيعة بن كلثوم قال : كنت عند
الحسن فقال له رجل : يا
أبا سعيد ليلة القدر في كل رمضان ؟ قال : إي والله ، إنها لفي كل رمضان ، وإنها الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم ، فيها يقضي الله كل أجل وأمل ورزق إلى مثلها .
حدثني
يعقوب قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية قال : ثنا
ربيعة بن كلثوم قال : قال رجل
للحسن وأنا أسمع : أرأيت ليلة القدر ، أفي كل رمضان هي ؟ قال :
[ ص: 9 ] نعم والله الذي لا إله إلا هو ، إنها لفي كل رمضان ، وإنها الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم ، يقضي الله كل أجل وخلق ورزق إلى مثلها .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
عبد الحميد بن سالم ، عن
عمر مولى غفرة قال : يقال : ينسخ لملك الموت من يموت ليلة القدر إلى مثلها ؛ وذلك لأن الله - عز وجل - يقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=3إنا أنزلناه في ليلة مباركة ) وقال (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=4فيها يفرق كل أمر حكيم ) قال : فتجد الرجل ينكح النساء ، ويغرس الغرس واسمه في الأموات .
حدثنا
ابن بشار قال : ثنا
عبد الرحمن قال : ثنا
سفيان ، عن
سلمة ، عن
أبي مالك في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=4فيها يفرق كل أمر حكيم ) قال : أمر السنة إلى السنة ما كان من خلق أو رزق أو أجل أو مصيبة ، أو نحو هذا .
قال : ثنا
سفيان ، عن
حبيب ، عن
هلال بن يساف قال : كان يقال : انتظروا القضاء في شهر رمضان .
حدثنا
الفضل بن الصباح قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17011محمد بن فضيل ، عن
حصين ، عن
سعيد بن عبيدة عن
أبي عبد الرحمن في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=4فيها يفرق كل أمر حكيم ) قال : يدبر أمر السنة في ليلة القدر .
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=4فيها يفرق كل أمر حكيم ) قال : في ليلة القدر كل أمر يكون في السنة إلى السنة : الحياة والموت ، يقدر فيها المعايش والمصائب كلها .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=3إنا أنزلناه في ليلة مباركة ) ليلة القدر (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=4فيها يفرق كل أمر حكيم ) كنا نحدث أنه يفرق فيها أمر السنة إلى السنة .
حدثنا
ابن عبد الأعلى قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة قال : هي ليلة القدر فيها يقضى ما يكون من السنة إلى السنة .
[ ص: 10 ]
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
جرير ، عن
منصور قال : سألت
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهدا فقلت : أرأيت دعاء أحدنا يقول : اللهم إن كان اسمي في السعداء ، فأثبته فيهم ، وإن كان في الأشقياء فامحه منهم ، واجعله بالسعداء ؟ فقال : حسن ، ثم لقيته بعد ذلك بحول أو أكثر من ذلك ، فسألته عن هذا الدعاء ، قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=3إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم ) قال : يقضى في ليلة القدر ما يكون في السنة من رزق أو مصيبة ، ثم يقدم ما يشاء ، ويؤخر ما يشاء ، فأما كتاب السعادة والشقاء فهو ثابت لا يغير .
وقال آخرون : بل هي ليلة النصف من شعبان .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
الفضل بن الصباح ،
nindex.php?page=showalam&ids=14120والحسن بن عرفة قالا : ثنا
الحسن بن إسماعيل البجلي ، عن
محمد بن سوقة ، عن
عكرمة في قول الله تبارك وتعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=4فيها يفرق كل أمر حكيم ) قال : في ليلة النصف من شعبان يبرم فيه أمر السنة ، وتنسخ الأحياء من الأموات ، ويكتب الحاج فلا يزاد فيهم أحد ، ولا ينقص منهم أحد .
حدثني
عبيد بن آدم بن أبي إياس قال : ثنا أبي ، قال : ثنا
الليث ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16581عقيل بن خالد ، عن
ابن شهاب ، عن
عثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان حتى إن الرجل لينكح ويولد له وقد خرج اسمه في الموتى " .
حدثني
محمد بن معمر قال : ثنا
أبو هشام قال : ثنا
عبد الواحد قال : ثنا
عثمان بن حكيم قال : ثنا
سعيد بن جبير قال : قال
ابن عباس : إن الرجل ليمشي في الناس وقد رفع في الأموات . قال : ثم قرأ هذه الآية (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=3إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم ) قال : ثم قال : يفرق فيها أمر الدنيا من السنة إلى السنة .
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : ذلك ليلة القدر لما قد
[ ص: 11 ] تقدم من بياننا عن أن المعني بقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=3إنا أنزلناه في ليلة مباركة ) ليلة القدر ، والهاء في قوله ( فيها ) من ذكر الليلة المباركة .
وعنى بقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=4فيها يفرق كل أمر حكيم ) في هذه الليلة المباركة يقضى ويفصل كل أمر أحكمه الله تعالى في تلك السنة إلى مثلها من السنة الأخرى ، ووضع حكيم موضع محكم ، كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=1الم تلك آيات الكتاب الحكيم ) يعني : المحكم .
وقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=5أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين ) يقول - تعالى ذكره - : في هذه الليلة المباركة يفرق كل أمر حكيم ، أمرا من عندنا .
واختلف أهل العربية في وجه نصب قوله ( أمرا ) فقال بعض نحويي
الكوفة : نصب على : إنا أنزلناه أمرا ورحمة على الحال . وقال بعض نحويي
البصرة : نصب على معنى يفرق كل أمر فرقا وأمرا . قال : وكذلك قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=6رحمة من ربك ) قال : ويجوز أن تنصب الرحمة بوقوع مرسلين عليها ، فجعل الرحمة للنبي - صلى الله عليه وسلم - .
وقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=5إنا كنا مرسلين ) يقول - تعالى ذكره - : إنا كنا مرسلي رسولنا
محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى عبادنا رحمة من ربك يا
محمد (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=6إنه هو السميع العليم ) يقول : إن الله - تبارك وتعالى - هو السميع لما يقول هؤلاء المشركون فيما أنزلنا من كتابنا ، وأرسلنا من رسلنا إليهم ، وغير ذلك من منطقهم ومنطق غيرهم العليم بما تنطوي عليه ضمائرهم ، وغير ذلك من أمورهم وأمور غيرهم .
[ ص: 7 ]
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=1حم ( 1 )
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=2وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ( 2 )
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=3nindex.php?page=treesubj&link=29015_26777إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ( 3 )
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=4فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ( 4 )
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=5أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ( 5 )
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=6رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ( 6 ) )
قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=1حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ) وَقَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=3إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ) أَقْسَمَ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - بِهَذَا الْكِتَابِ أَنَّهُ أَنْزَلَهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ .
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ ، أَيُّ لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي السَّنَةِ هِيَ ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : هِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
حَدَّثَنَا
بِشْرٌ قَالَ : ثَنَا
يَزِيدُ قَالَ : ثَنَا
سَعِيدٌ ، عَنْ
قَتَادَةَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=3إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ) : لَيْلَةُ الْقَدْرِ ، وَنَزَلَتْ صُحُفُ
إِبْرَاهِيمَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ ، وَنَزَلَتِ التَّوْرَاةُ لِسِتِّ لَيَالٍ مَضَتْ مِنْ رَمَضَانَ ، وَنَزَلَ الزَّبُورُ لِسِتَّ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ رَمَضَانَ ، وَنَزَلَ الْإِنْجِيلُ لِثَمَانِ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ رَمَضَانَ ، وَنَزَلَ الْفُرْقَانُ لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مَضَتْ مِنْ رَمَضَانَ .
حَدَّثَنَا
ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ : ثَنَا
ابْنُ ثَوْرٍ ، عَنْ
مَعْمَرٍ ، عَنْ
قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=3فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ) قَالَ : هِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ .
[ ص: 8 ]
حَدَّثَنِي
يُونُسُ قَالَ : أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : قَالَ
ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ - (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=3إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ) قَالَ : تِلْكَ اللَّيْلَةُ لَيْلَةُ الْقَدْرِ ، أَنْزَلَ اللَّهُ هَذَا الْقُرْآنَ مِنْ أُمِّ الْكِتَابِ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ، ثُمَّ أَنْزَلَهُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ فِي اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ ، وَفِي غَيْرِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ .
وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هِيَ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ .
وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ : عَنَى بِهَا لَيْلَةَ الْقَدْرِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - أَخْبَرَ أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=3إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ) خَلْقَنَا بِهَذَا الْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ فِي اللَّيْلَةِ الْمُبَارَكَةِ عُقُوبَتَنَا أَنْ تَحِلَّ بِمَنْ كَفَرَ مِنْهُمْ ، فَلَمْ يُنِبْ إِلَى تَوْحِيدِنَا ، وَإِفْرَادِ الْأُلُوهَةِ لَنَا .
وَقَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=4فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ) اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ الَّتِي يُفْرَقُ فِيهَا كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ نَحْوَ اخْتِلَافِهِمْ فِي اللَّيْلَةِ الْمُبَارَكَةِ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْهَاءَ الَّتِي فِي قَوْلِهِ ( فِيهَا ) عَائِدَةٌ عَلَى اللَّيْلَةِ الْمُبَارَكَةِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : هِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ ، يُقْضَى فِيهَا أَمْرُ السَّنَةِ كُلِّهَا مَنْ يَمُوتُ ، وَمَنْ يُولَدُ ، وَمَنْ يُعَزُّ ، وَمَنْ يُذَلُّ ، وَسَائِرُ أُمُورِ السَّنَةِ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
حَدَّثَنَا
مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى قَالَ : ثَنَا
يَزِيدُ قَالَ : أَخْبَرَنَا
رَبِيعَةُ بْنُ كُلْثُومٍ قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ
الْحَسَنِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : يَا
أَبَا سَعِيدٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي كُلِّ رَمَضَانَ ؟ قَالَ : إِي وَاللَّهِ ، إِنَّهَا لَفِي كُلِّ رَمَضَانَ ، وَإِنَّهَا اللَّيْلَةُ الَّتِي يُفْرَقُ فِيهَا كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ، فِيهَا يَقْضِي اللَّهُ كُلَّ أَجَلٍ وَأَمَلٍ وَرِزْقٍ إِلَى مِثْلِهَا .
حَدَّثَنِي
يَعْقُوبُ قَالَ : ثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ : ثَنَا
رَبِيعَةُ بْنُ كُلْثُومٍ قَالَ : قَالَ رَجُلٌ
لِلْحَسَنِ وَأَنَا أَسْمَعُ : أَرَأَيْتَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ، أَفِي كُلِّ رَمَضَانَ هِيَ ؟ قَالَ :
[ ص: 9 ] نَعَمْ وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ، إِنَّهَا لَفِي كُلِّ رَمَضَانَ ، وَإِنَّهَا اللَّيْلَةُ الَّتِي يُفْرَقُ فِيهَا كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ، يَقْضِي اللَّهُ كُلَّ أَجَلٍ وَخَلْقٍ وَرِزْقٍ إِلَى مِثْلِهَا .
حَدَّثَنِي
يُونُسُ قَالَ : أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : قَالَ
عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ سَالِمٍ ، عَنْ
عُمَرَ مَوْلَى غُفْرَةَ قَالَ : يُقَالُ : يُنْسَخُ لِمَلَكِ الْمَوْتِ مَنْ يَمُوتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِلَى مِثْلِهَا ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - يَقُولُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=3إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ) وَقَالَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=4فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ) قَالَ : فَتَجِدُ الرَّجُلَ يَنْكِحُ النِّسَاءَ ، وَيَغْرِسُ الْغَرْسَ وَاسْمُهُ فِي الْأَمْوَاتِ .
حَدَّثَنَا
ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ : ثَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ : ثَنَا
سُفْيَانُ ، عَنْ
سَلَمَةَ ، عَنْ
أَبِي مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=4فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ) قَالَ : أَمْرُ السَّنَةِ إِلَى السَّنَةِ مَا كَانَ مِنْ خَلْقٍ أَوْ رِزْقٍ أَوْ أَجَلٍ أَوْ مُصِيبَةٍ ، أَوْ نَحْوِ هَذَا .
قَالَ : ثَنَا
سُفْيَانُ ، عَنْ
حَبِيبٍ ، عَنْ
هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ قَالَ : كَانَ يُقَالُ : انْتَظِرُوا الْقَضَاءَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ .
حَدَّثَنَا
الْفَضْلُ بْنُ الصَّبَّاحِ قَالَ : ثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17011مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ ، عَنْ
حُصَيْنٍ ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ
أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=4فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ) قَالَ : يُدَبَّرُ أَمْرُ السَّنَةِ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ .
حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ : ثَنَا
أَبُو عَاصِمٍ قَالَ : ثَنَا
عِيسَى ، وَحَدَّثَنِي
الْحَارِثُ قَالَ : ثَنَا
الْحَسَنُ قَالَ : ثَنَا
وَرْقَاءُ جَمِيعًا ، عَنِ
ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=4فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ) قَالَ : فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ كُلُّ أَمْرٍ يَكُونُ فِي السَّنَةِ إِلَى السَّنَةِ : الْحَيَاةُ وَالْمَوْتُ ، يُقَدَّرُ فِيهَا الْمَعَايِشُ وَالْمَصَائِبُ كُلُّهَا .
حَدَّثَنَا
بِشْرٌ قَالَ : ثَنَا
يَزِيدُ قَالَ : ثَنَا
سَعِيدٌ ، عَنْ
قَتَادَةَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=3إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ) لَيْلَةُ الْقَدْرِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=4فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ) كُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّهُ يُفْرَقُ فِيهَا أَمْرُ السَّنَةِ إِلَى السَّنَةِ .
حَدَّثَنَا
ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ : ثَنَا
ابْنُ ثَوْرٍ ، عَنْ
مَعْمَرٍ ، عَنْ
قَتَادَةَ قَالَ : هِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ فِيهَا يُقْضَى مَا يَكُونُ مِنَ السَّنَةِ إِلَى السَّنَةِ .
[ ص: 10 ]
حَدَّثَنَا
ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ : ثَنَا
جَرِيرٌ ، عَنْ
مَنْصُورٍ قَالَ : سَأَلْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدًا فَقُلْتُ : أَرَأَيْتَ دُعَاءَ أَحَدِنَا يَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ اسْمِي فِي السُّعَدَاءِ ، فَأَثْبِتْهُ فِيهِمْ ، وَإِنْ كَانَ فِي الْأَشْقِيَاءِ فَامْحُهُ مِنْهُمْ ، وَاجْعَلْهُ بِالسُّعَدَاءِ ؟ فَقَالَ : حَسَنٌ ، ثُمَّ لَقِيتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِحَوْلٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ هَذَا الدُّعَاءِ ، قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=3إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ) قَالَ : يُقْضَى فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ مَا يَكُونُ فِي السَّنَةِ مِنْ رِزْقٍ أَوْ مُصِيبَةٍ ، ثُمَّ يُقَدِّمُ مَا يَشَاءُ ، وَيُؤَخِّرُ مَا يَشَاءُ ، فَأَمَّا كِتَابُ السَّعَادَةِ وَالشَّقَاءِ فَهُوَ ثَابِتٌ لَا يُغَيَّرُ .
وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هِيَ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
حَدَّثَنَا
الْفَضْلُ بْنُ الصَّبَّاحِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=14120وَالْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ قَالَا : ثَنَا
الْحَسَنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبَجَلِيُّ ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ ، عَنْ
عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=4فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ) قَالَ : فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ يُبْرَمُ فِيهِ أَمْرُ السَّنَةِ ، وَتُنْسَخُ الْأَحْيَاءُ مِنَ الْأَمْوَاتِ ، وَيُكْتَبُ الْحَاجُّ فَلَا يُزَادُ فِيهِمْ أَحَدٌ ، وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُمْ أَحَدٌ .
حَدَّثَنِي
عُبَيْدُ بْنُ آدَمَ بْنِ أَبِي إِيَاسٍ قَالَ : ثَنَا أَبِي ، قَالَ : ثَنَا
اللَّيْثُ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16581عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ
عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
" تُقْطَعُ الْآجَالُ مِنْ شَعْبَانَ إِلَى شَعْبَانَ حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْكِحُ وَيُولَدُ لَهْ وَقَدْ خَرَجَ اسْمُهُ فِي الْمَوْتَى " .
حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ قَالَ : ثَنَا
أَبُو هِشَامٍ قَالَ : ثَنَا
عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ : ثَنَا
عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ قَالَ : ثَنَا
سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ : قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : إِنَّ الرَّجُلَ لَيَمْشِي فِي النَّاسِ وَقَدْ رُفِعَ فِي الْأَمْوَاتِ . قَالَ : ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=3إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ) قَالَ : ثُمَّ قَالَ : يُفْرَقُ فِيهَا أَمْرُ الدُّنْيَا مِنَ السَّنَةِ إِلَى السَّنَةِ .
وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ : ذَلِكَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ لِمَا قَدْ
[ ص: 11 ] تَقَدَّمَ مِنْ بَيَانِنَا عَنْ أَنَّ الْمَعْنِيَّ بِقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=3إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ) لَيْلَةُ الْقَدْرِ ، وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ ( فِيهَا ) مِنْ ذِكْرِ اللَّيْلَةِ الْمُبَارَكَةِ .
وَعَنَى بِقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=4فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ) فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ الْمُبَارَكَةِ يُقْضَى وَيُفْصَلُ كُلُّ أَمْرٍ أَحْكَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي تِلْكَ السَّنَةِ إِلَى مِثْلِهَا مِنَ السَّنَةِ الْأُخْرَى ، وَوُضِعَ حَكِيمٌ مَوْضِعَ مُحْكَمٍ ، كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=1الم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ ) يَعْنِي : الْمُحْكَمَ .
وَقَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=5أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ) يَقُولُ - تَعَالَى ذِكْرُهُ - : فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ الْمُبَارَكَةِ يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ، أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا .
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ نَصْبِ قَوْلِهِ ( أَمْرًا ) فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي
الْكُوفَةِ : نُصِبَ عَلَى : إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ أَمْرًا وَرَحْمَةً عَلَى الْحَالِ . وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي
الْبَصْرَةِ : نُصِبَ عَلَى مَعْنَى يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ فَرْقًا وَأَمْرًا . قَالَ : وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=6رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ) قَالَ : وَيَجُوزُ أَنْ تُنْصَبَ الرَّحْمَةُ بِوُقُوعِ مُرْسِلِينَ عَلَيْهَا ، فَجَعَلَ الرَّحْمَةَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
وَقَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=5إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ) يَقُولُ - تَعَالَى ذِكْرُهُ - : إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِي رَسُولِنَا
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى عِبَادِنَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ يَا
مُحَمَّدُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=6إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) يَقُولُ : إِنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - هُوَ السَّمِيعُ لِمَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ فِيمَا أَنْزَلْنَا مِنْ كِتَابِنَا ، وَأَرْسَلْنَا مِنْ رُسُلِنَا إِلَيْهِمْ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَنْطِقِهِمْ وَمَنْطِقِ غَيْرِهِمُ الْعَلِيمُ بِمَا تَنْطَوِي عَلَيْهِ ضَمَائِرُهُمْ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِهِمْ وَأُمُورِ غَيْرِهِمْ .