القول في تأويل قوله تعالى : ( كم تركوا من جنات وعيون    ( 25 ) وزروع ومقام كريم   ( 26 ) ونعمة كانوا فيها فاكهين   ( 27 ) كذلك وأورثناها قوما آخرين   ( 28 ) ) 
يقول - تعالى ذكره - : كم ترك فرعون  وقومه من القبط بعد مهلكهم وتغريق الله إياهم من بساتين وأشجار ، وهي الجنات ، وعيون ، يعني : ومنابع ما كان ينفجر في جنانهم ، وزروع قائمة في مزارعهم ( ومقام كريم   ) يقول : وموضع كانوا يقومونه شريف كريم . 
ثم اختلف أهل التأويل في معنى وصف الله ذلك المقام بالكرم ، فقال بعضهم : وصفه بذلك لشرفه ، وذلك أنه مقام الملوك والأمراء ، قالوا : وإنما أريد به المنابر . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني جعفر ابن ابنة إسحاق الأزرق  قال : ثنا سعيد بن محمد الثقفي  ،  [ ص: 32 ] قال : ثنا إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر  ، عن أبيه ، عن مجاهد  في قوله ( ومقام كريم   ) قال : المنابر . 
حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة  قال : ثنا عبد الله بن داود الواسطي  قال : ثنا شريك ،  عن سالم الأفطس  ، عن سعيد بن جبير  في قوله ( ومقام كريم   ) قال : المنابر . 
وقال آخرون : وصف ذلك المقام بالكرم لحسنه وبهجته . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة  قوله ( ومقام كريم   ) : أي حسن  . 
وقوله ( ونعمة كانوا فيها فاكهين   ) يقول - تعالى ذكره - : وأخرجوا من نعمة كانوا فيها فاكهين متفكهين ناعمين . 
واختلفت القراء في قراءة قوله ( فاكهين ) فقرأته عامة قراء الأمصار خلا أبي جعفر القارئ   ( فاكهين ) على المعنى الذي وصفت . وقرأه أبو رجاء العطاردي  والحسن  وأبو جعفر المدني   ( فكهين ) بمعنى : أشرين بطرين . 
والصواب من القراءة عندي في ذلك ، القراءة التي عليها قراء الأمصار ، وهي ( فاكهين ) بالألف بمعنى ناعمين . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة   ( ونعمة كانوا فيها فاكهين   ) : ناعمين ، قال : إي والله ، أخرجه الله من جناته وعيونه وزروعه حتى ورطه في البحر  . 
وقوله ( كذلك وأورثناها قوما آخرين   ) يقول - تعالى ذكره - : هكذا كما وصفت لكم أيها الناس فعلنا بهؤلاء الذي ذكرت لكم أمرهم ، الذين كذبوا  [ ص: 33 ] رسولنا موسى   - صلى الله عليه وسلم - . 
وقوله ( وأورثناها قوما آخرين   ) يقول - تعالى ذكره - وأورثنا جناتهم وعيونهم وزروعهم ومقاماتهم وما كانوا فيه من النعمة عنهم قوما آخرين بعد مهلكهم ، وقيل : عني بالقوم الآخرين بنو إسرائيل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة  قوله ( كذلك وأورثناها قوما آخرين   ) يعني بني إسرائيل . 
 
				
						
						
