القول في تأويل قوله تعالى : ( ولقد اخترناهم على علم على العالمين    ( 32 ) وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين   ( 33 ) ) 
يقول - تعالى ذكره - : ولقد اخترنا بني إسرائيل  على علم منا بهم على عالمي أهل زمانهم يومئذ ، وذلك زمان موسى  صلوات الله وسلامه عليه . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة   ( ولقد اخترناهم على علم على العالمين   ) : أي اختيروا على أهل زمانهم ذلك ، ولكل زمان عالم . 
حدثنا ابن عبد الأعلى  قال : ثنا ابن ثور  ، عن معمر ،  عن قتادة  في قوله ( ولقد اخترناهم على علم على العالمين   ) قال : عالم ذلك الزمان . 
حدثني محمد بن عمرو  قال : ثنا أبو عاصم  قال : ثنا عيسى  ، وحدثني الحارث  قال : ثنا الحسن  قال : ثنا ورقاء  جميعا ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد  في قوله ( ولقد اخترناهم على علم على العالمين   ) قال : على من هم بين ظهرانيه . 
قوله ( وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين   ) يقول - تعالى ذكره - :  [ ص: 38 ] وأعطيناهم من العبر والعظات ما فيه اختبار يبين لمن تأمله أنه اختبار اختبرهم الله به . 
واختلف أهل التأويل في ذلك البلاء ، فقال بعضهم : ابتلاهم بنعمه عندهم . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة  قوله ( وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين   ) أنجاهم الله من عدوهم ، ثم أقطعهم البحر ، وظلل عليهم الغمام ، وأنزل عليهم المن والسلوى . 
وقال آخرون : بل ابتلاهم بالرخاء والشدة . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : قال ابن زيد  في قوله ( وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين   ) ، وقرأ ( ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون   ) وقال : بلاء مبين لمن آمن بها وكفر بها ، بلوى نبتليهم بها ، نمحصهم ، بلوى اختبار ، نختبرهم بالخير والشر ، نختبرهم لننظر فيما أتاهم من الآيات من يؤمن بها ، وينتفع بها ويضيعها . 
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله أخبر أنه آتى بني إسرائيل  من الآيات ما فيه ابتلاؤهم واختبارهم ، وقد يكون الابتلاء والاختبار بالرخاء ، ويكون بالشدة ، ولم يضع لنا دليلا من خبر ولا عقل ، أنه عنى بعض ذلك دون بعض ، وقد كان الله اختبرهم بالمعنيين كليهما جميعا . وجائز أن يكون عنى اختباره إياهم بهما ، فإذا كان الأمر على ما وصفنا ، فالصواب من القول فيه أن نقول كما قال - جل ثناؤه - إنه اختبرهم . 
				
						
						
