[ ص: 145 ] القول في فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون ( 35 ) ) تأويل قوله تعالى : (
يقول - تعالى ذكره - لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - مثبته على المضي لما قلده من عبء الرسالة ، وثقل أحمال النبوة - صلى الله عليه وسلم - وأمره بالائتساء في العزم على النفوذ لذلك بأولي العزم من قبله من رسله الذين صبروا على عظيم ما لقوا فيه من قومهم من المكاره ، ونالهم فيه منهم من الأذى والشدائد ( فاصبر ) يا محمد على ما أصابك في الله من أذى مكذبيك من قومك الذين أرسلناك إليهم بالإنذار ( كما صبر أولو العزم من الرسل ) على القيام بأمر الله ، والانتهاء إلى طاعته من رسله الذين لم ينههم عن النفوذ لأمره ، ما نالهم فيه من شدة . وقيل : إن أولي العزم منهم ، كانوا الذين امتحنوا في ذات الله في الدنيا بالمحن ، فلم تزدهم المحن إلا جدا في أمر الله ، كنوح وإبراهيم وموسى ومن أشبههم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : ثني ثوابة بن مسعود ، عن ، أنه قال ( عطاء الخراساني فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ) نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد - صلى الله عليه وسلم - .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ) كنا نحدث أن إبراهيم كان منهم .
وكان ابن زيد يقول في ذلك ما حدثني به يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ) قال : كل الرسل كانوا أولي عزم لم يتخذ الله رسولا إلا كان ذا عزم ، فاصبر كما صبروا . [ ص: 146 ]
حدثنا ابن سنان القزاز قال : ثنا عبد الله بن رجاء قال : ثنا إسرائيل ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير في قوله ( فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ) قال : سماه الله من شدته العزم .
وقوله ( ولا تستعجل لهم ) يقول : ولا تستعجل عليهم بالعذاب ، يقول : لا تعجل بمسألتك ربك ذلك لهم فإن ذلك نازل بهم لا محالة ( كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار ) يقول : كأنهم يوم يرون عذاب الله الذي يعدهم أنه منزله بهم ، لم يلبثوا في الدنيا إلا ساعة من نهار ؛ لأنه ينسيهم شدة ما ينزل بهم من عذابه ، قدر ما كانوا في الدنيا لبثوا ، ومبلغ ما فيها مكثوا من السنين والشهور ، كما قال - جل ثناؤه - . ( قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين ) .
وقوله ( بلاغ ) فيه وجهان : أحدهما أن يكون معناه : لم يلبثوا إلا ساعة من نهار ذلك لبث بلاغ ، بمعنى : ذلك بلاغ لهم في الدنيا إلى أجلهم ، ثم حذفت ذلك لبث ، وهي مرادة في الكلام اكتفاء بدلالة ما ذكر من الكلام عليها . والآخر : أن يكون معناه : هذا القرآن والتذكير بلاغ لهم وكفاية ، إن فكروا واعتبروا فتذكروا .
وقوله ( فهل يهلك إلا القوم الفاسقون ) يقول - تعالى ذكره - : فهل يهلك الله بعذابه إذا أنزله إلا القوم الذين خالفوا أمره ، وخرجوا عن طاعته وكفروا به . ومعنى الكلام : وما يهلك الله إلا القوم الفاسقين وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة في قوله ( فهل يهلك إلا القوم الفاسقون ) تعلموا ما يهلك على الله إلا هالك ولى الإسلام ظهره أو منافق صدق بلسانه وخالف بعمله . ذكر لنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : " أيما عبد من أمتي هم بحسنة كتبت له واحدة ، وإن عملها كتبت له [ ص: 147 ] عشر أمثالها . وأيما عبد هم بسيئة لم تكتب عليه ، فإن عملها كتبت سيئة واحدة ، ثم كان يتبعها ، ويمحوها الله ولا يهلك إلا هالك" .
آخر تفسير سورة الأحقاف