القول في تأويل قوله تعالى : ( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ( 22 ) أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ( 23 ) )
يقول - تعالى ذكره - لهؤلاء الذين وصف أنهم إذا نزلت سورة محكمة ، وذكر فيها القتال نظروا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نظر المغشي عليه ( فهل عسيتم ) أيها القوم ، يقول : فلعلكم إن توليتم عن تنزيل الله - جل ثناؤه - وفارقتم أحكام كتابه ، وأدبرتم عنمحمد - صلى الله عليه وسلم - وعما جاءكم به ( أن تفسدوا في الأرض ) يقول : أن تعصوا الله في الأرض ، فتكفروا به ، وتسفكوا فيها الدماء ( وتقطعوا أرحامكم ) وتعودوا لما كنتم عليه في جاهليتكم من التشتت والتفرق بعد ما قد جمعكم الله بالإسلام ، وألف به بين قلوبكم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( فهل عسيتم إن توليتم ) . . . الآية . يقول : فهل عسيتم كيف رأيتم القوم حين تولوا عن كتاب الله ، ألم يسفكوا الدم الحرام ، وقطعوا الأرحام ، وعصوا الرحمن . [ ص: 178 ]
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ) قال : فعلوا .
حدثني محمد بن عبد الرحيم البرقي قال : ثنا ابن أبي مريم قال : أخبرنا محمد بن جعفر قالا ثنا وسليمان بن بلال معاوية بن أبي المزرد المديني ، عن ، عن سعيد بن يسار ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " أبي هريرة " . خلق الله الخلق ، فلما فرغ منهم تعلقت الرحم بحقو الرحمن فقال مه : فقالت : هذا مقام العائذ بك من القطيعة ، قال : أفما ترضين أن أقطع من قطعك ، وأصل من وصلك ؟ قالت : نعم ، قال : فذلك لك
قال سليمان في حديثه : قال : اقرءوا إن شئتم ( أبو هريرة فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ) وقد تأوله بعضهم : فهل عسيتم إن توليتم أمور الناس أن تفسدوا في الأرض بمعنى الولاية ، وأجمعت القراء غير نافع على فتح السين من عسيتم ، وكان نافع يكسرها عسيتم .
والصواب عندنا قراءة ذلك بفتح السين لإجماع الحجة من القراء عليها ، وأنه لم يسمع في الكلام : عسي أخوك يقوم ، بكسر السين وفتح الياء; ولو كان صوابا كسرها إذا اتصل بها مكنى ، جاءت بالكسر مع غير المكنى ، وفي إجماعهم على فتحها مع الاسم الظاهر ، الدليل الواضح على أنها كذلك مع المكنى ، " وإن" التي تلي عسيتم مكسورة ، وهي حرف جزاء ، و " أن" التي مع تفسدوا في موضع نصب بعسيتم .
وقوله ( أولئك الذين لعنهم الله ) يقول - تعالى ذكره - : هؤلاء الذين يفعلون هذا ، يعني الذين يفسدون ويقطعون الأرحام الذين لعنهم الله ، فأبعدهم من رحمته فأصمهم ، يقول : فسلبهم فهم ما يسمعون بآذانهم من مواعظ الله في تنزيله ( وأعمى أبصارهم ) يقول : وسلبهم عقولهم ، فلا يتبينون حجج الله ، ولا يتذكرون ما يرون من عبره وأدلته .