الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم ( 29 ) ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم ( 30 ) )

يقول - تعالى ذكره - : أحسب هؤلاء المنافقون الذين في قلوبهم شك في دينهم ، وضعف في يقينهم ، فهم حيارى في معرفة الحق أن لن يخرج الله ما في قلوبهم من الأضغان على المؤمنين ، فيبديه لهم ويظهره ، حتى يعرفوا نفاقهم ، وحيرتهم في دينهم ( ولو نشاء لأريناكهم ) يقول تعالى : ولو نشاء يا محمد لعرفناك هؤلاء المنافقين حتى تعرفهم من قول القائل : سأريك ما أصنع ، بمعنى سأعلمك . [ ص: 184 ]

وقوله : ( فلعرفتهم بسيماهم ) يقول : فلتعرفنهم بعلامات النفاق الظاهرة منهم في فحوى كلامهم وظاهر أفعالهم ثم إن الله - تعالى ذكره - عرفه إياهم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله ( أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم ) . . . إلى آخر الآية ، قال : هم أهل النفاق ، وقد عرفه إياهم في براءة ، فقال : ( ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره ) ، وقال : ( فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا ) .

حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله ( أم حسب الذين في قلوبهم مرض ) . . . الآية ، هم أهل النفاق ( فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول ) فعرفه الله إياهم في سوره براءة ، فقال : ( ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ) ، وقال : " قل لهم لن تنفروا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا "

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم ) قال : هؤلاء المنافقون ، قال : والذي أسروا من النفاق هو الكفر .

قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ) قال : هؤلاء المنافقون ، قال : وقد أراه الله إياهم ، وأمر بهم أن يخرجوا من المسجد ، قال : فأبوا إلا أن تمسكوا بلا إله إلا الله; فلما أبوا إلا أن تمسكوا بلا إله إلا الله حقنت دماؤهم ، ونكحوا ونوكحوا بها . [ ص: 185 ]

وقوله ( ولتعرفنهم في لحن القول ) يقول : ولتعرفن هؤلاء المنافقين في معنى قولهم نحوه .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( في لحن القول ) قال : قولهم : ( والله يعلم أعمالكم ) لا يخفى عليه العامل منكم بطاعته ، والمخالف ذلك ، وهو مجازي جميعكم عليها .

التالي السابق


الخدمات العلمية