القول في تأويل قوله تعالى : ( أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم ( 29 ) ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم ( 30 ) )
يقول - تعالى ذكره - : أحسب هؤلاء المنافقون الذين في قلوبهم شك في دينهم ، وضعف في يقينهم ، فهم حيارى في معرفة الحق أن لن يخرج الله ما في قلوبهم من الأضغان على المؤمنين ، فيبديه لهم ويظهره ، حتى يعرفوا نفاقهم ، وحيرتهم في دينهم ( ولو نشاء لأريناكهم ) يقول تعالى : ولو نشاء يا محمد لعرفناك هؤلاء المنافقين حتى تعرفهم من قول القائل : سأريك ما أصنع ، بمعنى سأعلمك . [ ص: 184 ]
وقوله : ( فلعرفتهم بسيماهم ) يقول : فلتعرفنهم بعلامات النفاق الظاهرة منهم في فحوى كلامهم وظاهر أفعالهم ثم إن الله - تعالى ذكره - عرفه إياهم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله ( أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم ) . . . إلى آخر الآية ، قال : هم أهل النفاق ، وقد عرفه إياهم في براءة ، فقال : ( ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره ) ، وقال : ( فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا ) .
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله ( أم حسب الذين في قلوبهم مرض ) . . . الآية ، هم أهل النفاق ( فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول ) فعرفه الله إياهم في سوره براءة ، فقال : ( ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ) ، وقال : " قل لهم لن تنفروا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا "
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم ) قال : هؤلاء المنافقون ، قال : والذي أسروا من النفاق هو الكفر .
قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ) قال : هؤلاء المنافقون ، قال : وقد أراه الله إياهم ، وأمر بهم أن يخرجوا من المسجد ، قال : فأبوا إلا أن تمسكوا بلا إله إلا الله; فلما أبوا إلا أن تمسكوا بلا إله إلا الله حقنت دماؤهم ، ونكحوا ونوكحوا بها . [ ص: 185 ]
وقوله ( ولتعرفنهم في لحن القول ) يقول : ولتعرفن هؤلاء المنافقين في معنى قولهم نحوه .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( في لحن القول ) قال : قولهم : ( والله يعلم أعمالكم ) لا يخفى عليه العامل منكم بطاعته ، والمخالف ذلك ، وهو مجازي جميعكم عليها .