القول في تأويل قوله تعالى : ( إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ولا يسألكم أموالكم ( 36 ) إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم ( 37 ) )
يقول - تعالى ذكره - : حاضا عباده المؤمنين على جهاد أعدائه ، والنفقة في سبيله ، وبذل مهجتهم في قتال أهل الكفر به : قاتلوا أيها المؤمنون أعداء الله وأعداءكم من أهل الكفر ، ولا تدعكم الرغبة في الحياة إلى ترك قتالهم ، فإنما الحياة الدنيا لعب ولهو ، إلا ما كان منها لله من عمل في سبيله ، وطلب رضاه . فأما ما عدا ذلك فإنما هو لعب ولهو ، يضمحل فيذهب ويندرس فيمر ، أو إثم يبقى على صاحبه عاره وخزيه ( وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ) يقول : وإن تعملوا في هذه الدنيا التي ما كان فيها مما هو لها ، فلعب ولهو ، فتؤمنوا به وتتقوه بأداء فرائضه ، واجتناب معاصيه ، وهو الذي يبقى لكم منها ، ولا يبطل بطول اللهو واللعب ، ثم يؤتكم ربكم عليه أجوركم ، فيعوضكم منه ما هو خير لكم [ ص: 191 ] منه يوم فقركم ، وحاجتكم إلى أعمالكم ( ولا يسألكم أموالكم ) يقول : ولا يسألكم ربكم أموالكم ، ولكنه يكلفكم توحيده ، وخلع ما سواه من الأنداد ، وإفراد الألوهية والطاعة له ( إن يسألكموها ) : يقول - جل ثناؤه - : إن يسألكم ربكم أموالكم ( فيحفكم ) يقول : فيجهدكم بالمسألة ، ويلح عليكم بطلبها منكم فيلحف ، تبخلوا : يقول : تبخلوا بها وتمنعوها إياه ، ضنا منكم بها ، ولكنه علم ذلك منكم ، ومن ضيق أنفسكم فلم يسألكموها .
وقوله ( ويخرج أضغانكم ) يقول : ويخرج - جل ثناؤه - لو سألكم أموالكم بمسألته ذلك منكم أضغانكم قال : قد علم الله أن في مسألته المال خروج الأضغان .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( فيحفكم تبخلوا ) قال : الإحفاء : أن تأخذ كل شيء بيديك .