القول في تأويل قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون ( 2 ) )
يقول - تعالى ذكره - : يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله ، لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت رسول الله تتجهمونه بالكلام ، وتغلظون له في الخطاب ( ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض ) يقول : ولا تنادوه كما ينادي بعضكم بعضا : يا محمد ، يا محمد ، يا نبي الله ، يا نبي الله ، يا رسول الله .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن [ ص: 278 ] أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله ( ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض ) ، قال لا تنادوه نداء ، ولكن قولا لينا يا رسول الله .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض ) كانوا يجهرون له بالكلام ، ويرفعون أصواتهم ، فوعظهم الله ، ونهاهم عن ذلك .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، كانوا - فوعظوا ، ونهوا عن ذلك . يرفعون ويجهرون عند النبي - صلى الله عليه وسلم
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله ( لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ) . . . الآية ، هو كقوله : ( لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ) نهاهم الله أن ينادوه كما ينادي بعضهم بعضا وأمرهم أن يشرفوه ويعظموه ، ويدعوه إذا دعوه باسم النبوة .
حدثنا أبو كريب قال : ثنا قال : ثنا زيد بن حباب أبو ثابت بن ثابت بن قيس بن شماس قال : ثني عمي إسماعيل بن محمد بن ثابت بن قيس بن الشماس ، عن أبيه ، قال : لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول ) قال : قعد ثابت في الطريق يبكي ، قال : فمر به عاصم بن عدي من بني العجلان ، فقال : ما يبكيك يا ثابت ؟ قال : لهذه الآية أتخوف أن تكون نزلت في ، وأنا صيت رفيع الصوت قال : فمضى عاصم بن عدي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : وغلبه البكاء ، قال : فأتى امرأته جميلة ابنة عبد الله بن أبي ابن سلول ، فقال لها : إذا دخلت بيت فرسي ، فشدي على الضبة بمسمار ، فضربته بمسمار حتى إذا خرج عطفه وقال : لا أخرج حتى يتوفاني الله ، أو يرضى عني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; قال : وأتى عاصم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره [ ص: 279 ] خبره ، فقال : اذهب فادعه لي ، فجاء عاصم إلى المكان ، فلم يجده ، فجاء إلى أهله ، فوجده في بيت الفرس ، فقال له : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعوك ، فقال : اكسر الضبة ، قال : فخرجا فأتيا نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما يبكيك يا ثابت ؟ فقال : أنا صيت ، وأتخوف أن تكون هذه الآية نزلت في ( لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول ) فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أما ترضى أن تعيش حميدا ، وتقتل شهيدا ، وتدخل الجنة ؟ فقال : رضيت ببشرى الله ورسوله ، لا أرفع صوتي أبدا على رسول الله ، فأنزل الله ( إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى ) . . . الآية . لما نزلت هذه الآية (
حدثنا ابن حميد قال : ثنا يعقوب ، عن حفص ، عن شمر بن عطية قال : إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو محزون ، فقال : يا ثابت بن قيس بن الشماس ثابت ما الذي أرى بك ؟ فقال : آية قرأتها الليلة ، فأخشى أن يكون قد حبط عملي ( يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ) وكان في أذنه صمم ، فقال : يا نبي الله أخشى أن أكون قد رفعت صوتي ، وجهرت لك بالقول ، وأن أكون قد حبط عملي ، وأنا لا أشعر : فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " امش على الأرض نشيطا فإنك من أهل الجنة " . جاء
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : ثنا قال : ثنا ابن علية أيوب ، عن عكرمة قال : يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ) . . . الآية ، قال : فأنا كنت أرفع صوتي فوق صوت النبي - صلى الله عليه وسلم - وأجهر له بالقول ، فأنا من أهل النار ، فقعد في بيته ، فتفقده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسأل عنه ، فقال رجل : إنه لجاري ، ولئن شئت لأعلمن لك علمه ، فقال : نعم ، فأتاه فقال : إن [ ص: 280 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد تفقدك ، وسأل عنك ، فقال : نزلت هذه الآية ( ثابت بن قيس يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ) . . . الآية ، وأنا كنت أرفع صوتي فوق صوت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأجهر له بالقول ، فأنا من أهل النار ، فرجع إلى رسول الله فأخبره ، فقال : بل هو من أهل الجنة; فلما كان يوم اليمامة انهزم الناس ، فقال : أف لهؤلاء وما يعبدون ، وأف لهؤلاء وما يصنعون ، يا معشر الأنصار خلوا لي بشيء لعلي أصلى بحرها ساعة قال : ورجل قائم على ثلمة ، فقتل وقتل . لما نزلت (
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الزهري ، قال : لما نزلت ( ثابت بن قيس بن شماس لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ) قال : يا نبي الله ، لقد خشيت أن أكون قد هلكت ، نهانا الله أن نرفع أصواتنا فوق صوتك ، وإني امرؤ جهير الصوت ، ونهى الله المرء أن يحب أن يحمد بما لم يفعل ، فأجدني أحب أن أحمد; ونهى الله عن الخيلاء وأجدني أحب الجمال; قال : فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا ثابت أما ترضى أن تعيش حميدا ، وتقتل شهيدا ، وتدخل الجنة ؟ فعاش حميدا ، وقتل شهيدا يوم مسيلمة . أن
حدثني علي بن سهل قال : ثنا مؤمل قال : ثنا نافع بن عمر بن جميل الجمحي قال : ثني عن ابن أبي مليكة ، الزبير قال : " تميم ، على النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم الأقرع بن حابس ، فكلم أبو بكر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يستعمله على قومه ، قال : فقال عمر : لا تفعل يا رسول الله ، قال : فتكلما حتى ارتفعت أصواتهما عند النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : فقال أبو بكر لعمر : ما أردت إلا خلافي ، قال : ما أردت خلافك . قال : ونزل القرآن ( يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ) . . . إلى قوله ( وأجر عظيم ) قال : فما حدث عمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك ، فيسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : وما [ ص: 281 ] ذكر ابن الزبير جده ، يعني أبا بكر . قدم وفد - أراه قال -
وقوله ( أن تحبط أعمالكم ) يقول : أن لا تحبط أعمالكم فتذهب باطلة لا ثواب لكم عليها ، ولا جزاء برفعكم أصواتكم فوق صوت نبيكم ، وجهركم له بالقول كجهر بعضكم لبعض .
وقد اختلف أهل العربية في معنى ذلك ، فقال بعض نحويي الكوفة : معناه : لا تحبط أعمالكم . قال : وفيه الجزم والرفع إذا وضعت " لا" مكان " أن" . قال : وهي في قراءة عبد الله ( فتحبط أعمالكم ) وهو دليل على جواز الجزم ، وقال بعض نحويي البصرة : قال : أن تحبط أعمالكم : أي مخافة أن تحبط أعمالكم وقد يقال : أسند الحائط أن يميل .
وقوله ( وأنتم لا تشعرون ) يقول : وأنتم لا تعلمون ولا تدرون .