القول في كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود ( 12 ) تأويل قوله تعالى : ( وعاد وفرعون وإخوان لوط ( 13 ) وأصحاب الأيكة وقوم تبع كل كذب الرسل فحق وعيد ( 14 ) )
يقول - تعالى ذكره - ( كذبت ) قبل هؤلاء المشركين الذين كذبوا محمدا [ ص: 337 ] - صلى الله عليه وسلم - من قومه ( قوم نوح وأصحاب الرس ) وقد مضى ذكرنا - قبل - أمر أصحاب الرس ، وأنهم قوم رسوا نبيهم في بئر .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبي بكر ، عن عكرمة بذلك .
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله ( أصحاب الرس ) والرس : بئر قتل فيها صاحب " يس " .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله ( أصحاب الرس ) قال : بئر .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرنا عمرو بن الحارث ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن عمرو بن عبد الله ، عن قتادة أنه قال : إن أصحاب الأيكة - والأيكة : الشجر الملتف - وأصحاب الرس كانتا أمتين ، فبعث الله إليهم نبيا واحدا شعيبا ، وعذبهما الله بعذابين ( وثمود وعاد وفرعون وإخوان لوط وأصحاب الأيكة ) وهم قوم شعيب ، وقد مضى خبرهم قبل ( وقوم تبع ) .
وكان قوم تبع أهل أوثان يعبدونها ، فيما حدثنا به ابن حميد قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق .
وكان من خبره وخبر قومه ، ما حدثنا به مجاهد بن موسى قال : ثنا يزيد قال : أخبرنا عمران بن حدير ، عن أبي مجلز ، عن ابن عباس ، أنه سأل ، عن عبد الله بن سلام تبع ما كان ؟ فقال : إن تبعا كان رجلا من العرب ، وإنه ظهر على الناس ، فاختار فتية من الأخيار فاستبطنهم واستدخلهم ، حتى أخذ منهم وبايعهم ، وإن قومه استكبروا ذلك وقالوا : قد ترك دينكم ، وبايع الفتية ، فلما فشا ذلك قال للفتية ، فقال الفتية : بيننا وبينهم النار تحرق الكاذب ، [ ص: 338 ] وينجو منها الصادق ، ففعلوا ، فعلق الفتية مصاحفهم في أعناقهم ، ثم غدوا إلى النار ، فلما ذهبوا أن يدخلوها ، سفعت النار في وجوههم ، فنكصوا عنها ، فقال لهم تبع : لتدخلنها ، فلما دخلوها أفرجت عنهم حتى قطعوها ، وأنه قال لقومه ادخلوها ، فلما ذهبوا يدخلونها سفعت النار وجوههم ، فنكصوا عنها ، فقال لهم تبع : لتدخلنها ، فلما دخلوها أفرجت عنهم ، حتى إذا توسطوا أحاطت بهم ، فأحرقتهم ، فأسلم تبع ، وكان تبع رجلا صالحا .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن أبي مالك بن ثعلبة بن أبي مالك القرظي قال : سمعت إبراهيم بن محمد القرظي قال : سمعت إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبد الله يحدث " أن تبعا لما دنا من اليمن ليدخلها ، حالت حمير بينه وبين ذلك ، وقالوا : لا تدخلها علينا ، وقد فارقت ديننا فدعاهم إلى دينه ، وقال : إنه دين خير من دينكم ، قالوا : فحاكمنا إلى النار ، قال نعم ، قال : وكانت في اليمن - فيما يزعم أهل اليمن - نار تحكم فيما بينهم فيما يختلفون فيه ، تأكل الظالم ولا تضر المظلوم ، فلما قالوا ذلك لتبع قال : أنصفتم ، فخرج قومه بأوثانهم ، وما يتقربون به في دينهم . قال : وخرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما متقلديهما ، حتى قعدوا للنار عند مخرجها التي تخرج منه ، فخرجت النار إليهم ، فلما أقبلت نحوهم حادوا عنها وهابوها ، فرموهم من حضرهم من الناس ، وأمروهم بالصبر لها ، فصبروا حتى غشيتهم فأكلت الأوثان وما قربوا معها ، ومن حمل ذلك من رجال حمير وخرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما ، تعرق جباههما لم تضرهما ، فأطبقت حمير عند ذلك على دينه ، فمن هنالك وغير ذلك كان أصل اليهودية باليمن " .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق عن بعض أصحابه أن الحبرين ومن خرج معهما من حمير إنما اتبعوا النار ليردوها ، وقالوا : [ ص: 339 ] من ردها فهو أولى بالحق فدنا منهم رجال من حمير بأوثانهم ليردوها ، فدنت منهم لتأكلهم ، فحادوا فلم يستطيعوا ردها ، ودنا منها الحبران بعد ذلك وجعلا يتلوان التوراة ، وتنكص حتى رداها إلى مخرجها الذي خرجت منه ، فأطبقت عند ذلك على دينهما . وكان رئام بيتا لهم يعظمونه ، وينحرون عنده ، ويكلمون منه ، إذ كانوا على شركهم . فقال الحبران لتبع إنما هو شيطان يعينهم ويلعب بهم ، فخل بيننا وبينه ، قال : فشأنكما به فاستخرجا منه - فيما يزعم أهل اليمن - كلبا أسود ، فذبحاه ، ثم هدما ذلك البيت ، فبقاياه اليوم باليمن كما ذكر لي " .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن لهيعة ، عن عمرو بن جابر الحضرمي ، حدثه قال : سمعت يحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " سهل بن سعد الساعدي " . لا تلعنوا تبعا فإنه كان قد أسلم
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني ابن لهيعة ، عن الحارث بن يزيد أن شعيب بن زرعة المعافري ، حدثه قال : سمعت وقال له رجل : إن عبد الله بن عمرو بن العاص حمير تزعم أن تبعا منهم ، فقال : نعم والذي نفسي بيده ، وإنه في العرب كالأنف بين العينين . وقد كان منهم سبعون ملكا .
وقوله ( كل كذب الرسل فحق وعيد ) يقول - تعالى ذكره - : كل هؤلاء الذين ذكرناهم كذبوا رسل الله الذين أرسلهم ( فحق وعيد ) يقول : فوجب لهم الوعيد الذي وعدناهم على كفرهم بالله ، وحل بهم العذاب والنقمة . وإنما وصف ربنا - جل ثناؤه - ما وصف في هذه الآية من إحلاله عقوبته بهؤلاء المكذبين الرسل ترهيبا منه بذلك مشركي قريش وإعلاما منه لهم أنهم إن لم ينيبوا من تكذيبهم رسوله محمدا - صلى الله عليه وسلم - أنه محل بهم من العذاب مثل الذي أحل بهم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى [ ص: 340 ] ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله ( فحق وعيد ) قال : ما أهلكوا به تخويفا لهؤلاء .