وفي قوله ( وجاءت سكرة الموت بالحق ) وجهان من التأويل ، أحدهما : وجاءت وهي شدته وغلبته على فهم الإنسان ، كالسكرة من النوم أو الشراب - بالحق من أمر الآخرة - فتبينه الإنسان حتى تثبته وعرفه . والثاني : وجاءت سكرة الموت بحقيقة الموت . سكرة الموت
وقد ذكر عن رضي الله عنه أنه كان يقرأ ( أبي بكر الصديق وجاءت سكرة الحق بالموت ) .
ذكر الرواية بذلك :
حدثنا قال : ثنا محمد بن المثنى محمد بن جعفر قال : ثنا شعبة ، عن واصل ، عن أبي وائل قال : لما كان أبو بكر رضي الله عنه يقضي ، قالت عائشة رضي الله عنها هذا ، كما قال الشاعر :
إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر
فقال أبو بكر رضي الله عنه : لا تقولي ذلك ، ولكنه كما قال الله عز وجل : ( وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ) . وقد ذكر أن [ ص: 347 ] ذلك كذلك في قراءة ابن مسعود . ولقراءة من قرأ ذلك كذلك من التأويل وجهان :
أحدهما : وجاءت سكرة الله بالموت ، فيكون الحق هو الله - تعالى ذكره - . والثاني : أن تكون السكرة هي الموت أضيفت إلى نفسها ، كما قيل : ( إن هذا لهو حق اليقين ) . ويكون تأويل الكلام : وجاءت السكرة الحق بالموت .
وقوله ( ذلك ما كنت منه تحيد ) يقول : هذه السكرة التي جاءتك أيها الإنسان بالحق هو الشيء الذي كنت تهرب منه ، وعنه تروغ .
وقوله ( ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد ) قد تقدم بياننا عن معنى الصور ، وكيف النفخ فيه بذكر اختلاف المختلفين . والذي هو أولى الأقوال عندنا فيه بالصواب ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
وقوله ( ذلك يوم الوعيد ) يقول : هذا اليوم الذي ينفخ فيه هو يوم الوعيد الذي وعده الله الكفار أن يعذبهم فيه .