القول في تأويل قوله تعالى : ( قتل الخراصون    ( 10 ) الذين هم في غمرة ساهون   ( 11 ) يسألون أيان يوم الدين    ( 12 ) يوم هم على النار يفتنون   ( 13 ) ) 
يقول - تعالى ذكره - : لعن المتكهنون الذين يتخرصون الكذب والباطل فيتظننونه . 
واختلف أهل التأويل في الذين عنوا بقوله ( قتل الخراصون   ) فقال بعضهم : عني به المرتابون . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني علي  قال : ثنا أبو صالح  قال : ثني معاوية  ، عن علي  ، عن ابن عباس  قوله ( قتل الخراصون   ) يقول : لعن المرتابون . 
وقال آخرون في ذلك بالذي قلنا فيه . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني محمد بن سعد  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس  قوله ( قتل الخراصون   ) قال : الكهنة . 
حدثني محمد بن عمرو  قال : ثنا أبو عاصم  قال : ثنا عيسى ،   [ ص: 400 ] وحدثني الحارث  قال : ثنا الحسن  قال : ثنا ورقاء  جميعا ، عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد   ( قتل الخراصون   ) قال : الذين يتخرصون الكذب كقوله في " عبس " ( قتل الإنسان   ) ، وقد حدثني كل واحد منهما بالإسناد الذي ذكرت عنه ، عن مجاهد  قوله ( قتل الخراصون   ) قال : الذين يقولون : لا نبعث ولا يوقنون . 
حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة   ( قتل الخراصون   ) : أهل الظنون . 
حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : قال ابن زيد  في قوله ( قتل الخراصون   ) قال : القوم الذين كانوا يتخرصون الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قالت طائفة : إنما هو ساحر ، والذي جاء به سحر . وقالت طائفة : إنما هو شاعر ، والذي جاء به شعر ; وقالت طائفة : إنما هو كاهن ، والذي جاء به كهانة ; وقالت طائفة ( أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا   ) يتخرصون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . 
وقوله ( الذين هم في غمرة ساهون   ) يقول - تعالى ذكره - : الذين هم في غمرة الضلالة وغلبتها عليهم متمادون ، وعن الحق الذي بعث الله به محمدا   - صلى الله عليه وسلم - ساهون ، قد لهوا عنه . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وإن اختلفت ألفاظهم في البيان عنه . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني علي  قال : ثنا أبو صالح  قال : ثني معاوية  ، عن علي  ، عن ابن عباس  قوله ( الذين هم في غمرة ساهون   ) يقول : في ضلالتهم يتمادون . 
حدثني محمد بن سعد  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس  قوله ( الذين هم في غمرة ساهون   ) قال :  [ ص: 401 ] في غفلة لاهون . 
حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة   ( الذين هم في غمرة ساهون   ) يقول : في غمرة وشبهة . 
حدثنا ابن حميد  قال : ثنا مهران  ، عن سفيان   ( غمرة ساهون   ) قال : في غفلة . 
حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : قال ابن زيد  في قوله ( في غمرة ساهون   ) قال : ساهون عما أتاهم ، وعما نزل عليهم ، وعما أمرهم الله تبارك وتعالى ، وقرأ قول الله جل ثناؤه ( بل قلوبهم في غمرة من هذا   ) . . . الآية ، وقال : ألا ترى الشيء إذا أخذته ثم غمرته في الماء . 
حدثني الحارث  قال : ثنا الحسن  قال : ثنا ورقاء  جميعا ، عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد   ( في غمرة ساهون   ) : قلبه في كنانة . 
وقوله ( يسألون أيان يوم الدين   ) يقول - تعالى ذكره - : يسأل هؤلاء الخراصون الذين وصف صفتهم متى يوم المجازاة والحساب ، ويوم يدين الله العباد بأعمالهم . 
كما حدثنا يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : قال ابن زيد  في قوله ( أيان يوم الدين   ) قال : الذين كانوا يجحدون أنهم يدانون ، أو يبعثون . 
حدثني محمد بن عمرو  قال : ثنا أبو عاصم  قال : ثنا عيسى  ، وحدثني الحارث  قال : ثنا الحسن  قال : ثنا ورقاء  جميعا ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد  قوله ( يسألون أيان يوم الدين   ) قال : يقولون : متى يوم الدين ، أو يكون يوم الدين . 
وقوله ( يوم هم على النار يفتنون   ) يقول - تعالى ذكره - : يوم هم على نار جهنم يفتنون . 
واختلف أهل التأويل في معنى قوله ( يفتنون ) في هذا الموضع ، فقال  [ ص: 402 ] بعضهم : عنى به أنهم يعذبون بالإحراق بالنار . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني علي  قال : ثنا أبو صالح  قال : ثني معاوية  ، عن علي  ، عن ابن عباس  في قوله ( يوم هم على النار يفتنون   ) يقول : يعذبون . 
حدثني محمد بن سعد  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس  قوله ( يسألون أيان يوم الدين يوم هم على النار يفتنون   ) قال : فتنتهم أنهم سألوا عن يوم الدين وهم موقوفون على النار ( ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون   ) فقالوا حين وقفوا : ( يا ويلنا هذا يوم الدين   ) ، وقال الله تبارك وتعالى ( هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون   ) . 
حدثني محمد بن عمرو  قال : ثنا أبو عاصم  قال : ثنا عيسى  ، وحدثني الحارث  قال : ثنا الحسن  قال : ثنا ورقاء  جميعا ، عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد  قوله ( يفتنون ) قال : كما يفتن الذهب في النار  . 
حدثني يعقوب  قال : ثني هشيم  قال : أخبرنا حصين  ، عن عكرمة  في قوله ( يوم هم على النار يفتنون   ) قال : يعذبون في النار يحرقون فيها ، ألم تر أن الذهب إذا ألقي في النار قيل فتن . 
حدثني سليمان بن عبد الجبار  قال : ثنا محمد بن الصلت  قال : ثنا أبو كدينة ،  عن حصين  ، عن عكرمة   ( يوم هم على النار يفتنون   ) قال : يعذبون . 
حدثنا يحيى بن طلحة اليربوعي  قال : ثنا  فضيل بن عياض  ، عن منصور  ، عن مجاهد   ( يوم هم على النار يفتنون   ) يقول : ينضجون بالنار . 
حدثنا ابن حميد  قال : ثنا مهران  ، عن سفيان  ، عن الحصين  ، عن عكرمة   ( يوم هم على النار يفتنون   ) قال : يحرقون  .  [ ص: 403 ] 
حدثنا ابن حميد  قال : ثنا مهران  ، عن سفيان   ( يوم هم على النار يفتنون   ) يقول : يحرقون  . 
حدثت عن الحسين  قال : سمعت أبا معاذ  يقول : أخبرنا عبيد  قال : سمعت الضحاك  يقول في ( يوم هم على النار يفتنون   ) قال : يطبخون ، كما يفتن الذهب بالنار . 
حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : قال ابن زيد  في قوله ( يوم هم على النار يفتنون   ) قال : يحرقون بالنار . 
حدثنا ابن حميد  قال : ثنا جرير  ، عن منصور  ، عن مجاهد   ( يوم هم على النار يفتنون   ) قال : يحرقون . 
وقال آخرون : بل عنى بذلك أنهم يكذبون . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثت عن الحسين  قال : سمعت أبا معاذ  يقول : أخبرنا عبيد  قال : سمعت الضحاك  يقول في قوله ( يوم هم على النار يفتنون   ) يقول : يطبخون ، ويقال أيضا ( يفتنون ) يكذبون؛ كل هذا يقال . 
واختلف أهل العربية في وجه نصب اليوم في قوله ( يوم هم على النار يفتنون   ) فقال بعض نحويي البصرة   : نصبت على الوقت والمعنى في ( أيان يوم الدين   ) : أي متى يوم الدين ، فقيل لهم : في ( يوم هم على النار يفتنون   ) ، لأن ذلك اليوم يوم طويل فيه الحساب ، وفيه فتنتهم على النار . 
وقال بعض نحويي الكوفة   : إنما نصبت ( يوم هم ) لأنك أضفته إلى شيئين ، وإذا أضيف اليوم والليلة إلى اسم له فعل ، وارتفعا نصب اليوم ، وإن كان في موضع خفض أو رفع إذا أضيف إلى " فعل " أو " يفعل " أو إذا كان كذلك ، ورفعه في موضع الرفع ، . . . . . . . . . . . . . . . .  [ ص: 404 ]  . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . وخفضه في موضع الخفض يجوز : فلو قيل ( يوم هم على النار يفتنون   ) فرفع يوم ، لكان وجها ، ولم يقرأ به أحد من القراء . 
وقال آخر منهم : إنها نصب ( يوم هم على النار يفتنون   ) لأنه إضافة غير محضة فنصب ، والتأويل رفع ، ولو رفع لجاز لأنك تقول : متى يومك؟ فتقول : يوم الخميس ، ويوم الجمعة ، والرفع الوجه ، لأنه اسم قابل اسما فهذا الوجه . 
وأولى القولين بالصواب في تأويل قوله ( يوم هم على النار يفتنون   ) قول من قال : يعذبون بالإحراق ، لأن الفتنة أصلها الاختبار ، وإنما يقال : فتنت الذهب بالنار : إذا طبختها بها لتعرف جودتها ، فكذلك قوله ( يوم هم على النار يفتنون   ) يحرقون بها كما يحرق الذهب بها ، وأما النصب في اليوم فلأنها إضافة غير محضة على ما وصفنا من قول قائل ذلك . 
				
						
						
