القول في تأويل قوله تعالى : ( وأنه هو أغنى وأقنى    ( 48 ) وأنه هو رب الشعرى   ( 49 ) وأنه أهلك عادا الأولى   ( 50 ) وثمود فما أبقى   ( 51 ) ) 
يقول - تعالى ذكره - : وأن ربك هو أغنى من أغنى من خلقه بالمال وأقناه ، فجعل له قنية أصول أموال . 
واختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم بالذي قلنا في ذلك .  [ ص: 549 ] 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني محمد بن عمارة الأسدي  قال : ثنا  عبيد الله بن موسى  ، عن  السدي  ، عن أبي صالح  قوله : ( أغنى وأقنى   ) قال : أغنى المال وأقنى القنية . 
وقال آخرون : عنى بقوله : ( أغنى ) : أخدم . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا ابن بشار  قال : ثنا أبو عاصم  قال : ثنا سفيان  ، عن ليث  ، عن مجاهد  في قوله : ( وأنه هو أغنى وأقنى   ) قال : أغنى : مول ، وأقنى : أخدم . 
حدثني يعقوب بن إبراهيم  قال : ثنا  ابن علية  ، عن أبي رجاء  ، عن الحسن  قوله : ( أغنى وأقنى   ) قال : أخدم . 
حدثنا ابن عبد الأعلى  قال : ثنا ابن ثور  ، عن معمر  ، عن قتادة  في قوله : ( أغنى وأقنى   ) قال : أغنى وأخدم . 
حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد  ، عن قتادة  قوله ( أغنى وأقنى   ) قال : أعطى وأرضى وأخدم . 
وقال آخرون : بل عنى بذلك أنه أغنى من المال وأقنى : رضى  . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني محمد بن سعد  قال : ثنى أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس  قوله : ( وأنه هو أغنى وأقنى   ) قال : فإنه أغنى وأرضى . 
حدثنا ابن بشار  قال : ثنا عبد الرحمن  قال : ثنا سفيان  ، عن ليث  ، عن مجاهد   ( وأنه هو أغنى وأقنى   ) قال : أغنى مول ، وأقنى : رضى . 
حدثني محمد بن عمرو  قال : ثنا أبو عاصم  قال : : ثنا عيسى  ،  [ ص: 550 ] وحدثني الحارث  قال : ثنا الحسن  قال : ثنا ورقاء  جميعا ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد  قوله ( أغنى ) قال : مول ( وأقنى ) قال : رضى . 
حدثني علي  قال : ثنا أبو صالح  قال : ثني معاوية  ، عن علي  ، عن ابن عباس  قوله ( وأنه هو أغنى وأقنى   ) يقول : أعطاه وأرضاه . 
حدثنا ابن حميد  قال : ثنا مهران  ، عن سفيان  ، عن ليث  ، عن مجاهد  ، مثل حديث ابن بشار  ، عن عبد الرحمن  ، عن سفيان   . 
وقال آخرون : بل عنى بذلك أنه أغنى نفسه ، وأفقر خلقه إليه . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا ابن عبد الأعلى  قال : ثنا المعتمر بن سليمان  ، عن أبيه ( وأنه هو أغنى وأقنى   ) قال : زعم حضرمي أنه ذكر له أنه أغنى نفسه ، وأفقر الخلائق إليه . 
وقال آخرون : بل عنى بذلك أنه أغنى من شاء من خلقه ، وأفقر من شاء . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : قال ابن زيد  في قوله : ( وأنه هو أغنى وأقنى   ) قال : أغنى فأكثر ، وأقنى أقل ، وقرأ ( يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له   )  . 
وقوله : ( وأنه هو رب الشعرى   ) يقول - تعالى ذكره - : وأن ربك يا محمد  هو رب الشعرى ، يعني بالشعرى : النجم الذي يسمى هذا الاسم ، وهو نجم كان بعض أهل الجاهلية يعبده من دون الله . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .  [ ص: 551 ] 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني محمد بن سعد  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس  قوله ( وأنه هو رب الشعرى   ) قال : هو الكوكب الذي يدعى الشعرى . 
حدثني علي بن سهل  قال : ثنا مؤمل  قال : ثنا سفيان  ، عن خصيف  ، عن مجاهد  في قوله : ( وأنه هو رب الشعرى   ) قال : الكوكب الذي خلف الجوزاء ، كانوا يعبدونه . 
حدثنا ابن حميد  قال : ثنا مهران  ، عن سفيان  ، عن منصور  ، عن مجاهد   : ( وأنه هو رب الشعرى   ) قال : كان يعبد في الجاهلية . 
حدثنا محمد بن عمرو  قال : ثنا أبو عاصم  قال : ثنا عيسى   ; وحدثني الحارث  قال : ثنا الحسن  قال : ثنا ورقاء  جميعا ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد  قوله ( رب الشعرى   ) قال : مرزم الجوزاء  . 
حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد  ، عن قتادة  قوله ( وأنه هو رب الشعرى   ) كان حي من العرب يعبدون الشعرى هذا النجم الذي رأيتم ، قال بشر  قال : يريد النجم الذي يتبع الجوزاء . 
حدثنا ابن عبد الأعلى  قال : ثنا ابن ثور  ، عن معمر  ، عن قتادة  في قوله ( رب الشعرى   ) قال : كان ناس في الجاهلية يعبدون هذا النجم الذي يقال له الشعرى . 
حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : قال ابن زيد  في قوله ( وأنه هو رب الشعرى   ) كانت تعبد في الجاهلية ، فقال : تعبدون هذه وتتركون ربها؟ اعبدوا ربها . قال : والشعرى : النجم الوقاد الذي يتبع الجوزاء ، يقال له المرزم . 
وقوله : ( وأنه أهلك عادا الأولى   ) يعني - تعالى ذكره - بعاد  الأولى : عاد بن  [ ص: 552 ] إرم بن عوص بن سام بن نوح  ، وهم الذين أهلكهم الله بريح صرصر عاتية ، وإياهم عنى بقوله ( ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم   ) واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء المدينة  وبعض قراء البصرة   " عادا لولى " بترك الهمز وجزم النون حتى صارت اللام في " الأولى " ، كأنها لام مثقلة ، والعرب تفعل ذلك في مثل هذا ، حكي عنها سماعا منهم : " قم لان عنا " ، يريد : قم الآن ، جزموا الميم لما حركت اللام التي مع الألف في " الآن " ، وكذلك تقول : " صم اثنين " ، يريدون " صم الاثنين " . وأما عامة قراء الكوفة  وبعض المكيين ، فإنهم قرأوا ذلك بإظهار النون وكسرها ، وهمز الأولى على اختلاف في ذلك عن الأعمش  ، فروى أصحابه عنه غير القاسم بن معن  موافقة أهل بلده في ذلك . وأما القاسم بن معن  فحكي عنه عن الأعمش  أنه وافق في قراءته ذلك قراء المدنيين   . 
والصواب من القراءة في ذلك عندنا ما ذكرنا من قراءة الكوفيين  ، لأن ذلك هو الفصيح من كلام العرب ، وأن قراءة من كان من أهل السليقة فعلى البيان والتفخيم ، وأن الإدغام في مثل هذا الحرف وترك البيان إنما يوسع فيه لمن كان ذلك سجيته وطبعه من أهل البوادي . فأما المولدون فإن حكمهم أن يتحروا أفصح القراءات وأعذبها وأثبتها ، وإن كانت الأخرى جائزة غير مردودة . 
وإنما قيل لعاد بن إرم   : عاد الأولى  ، لأن بني لقيم بن هزال بن هزل بن عبيل بن ضد بن عاد الأكبر  ، كانوا أيام أرسل الله على عاد  الأكبر عذابه سكانا بمكة  مع إخوانهم من العمالقة ، ولد عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح  ، ولم يكونوا مع قومهم من عاد  بأرضهم ، فلم يصبهم من العذاب ما أصاب قومهم ، وهم عاد الآخرة  ، ثم هلكوا بعد . 
وكان هلاك عاد الآخرة  ببغي بعضهم على بعض ، فتفانوا بالقتل فيما حدثنا ابن حميد  قال : ثنا سلمة  عن ابن إسحاق  فيما ذكرنا قيل لعاد  الأكبر الذي أهلك الله ذريته بالريح : عاد الأولى  ، لأنها أهلكت قبل عاد الآخرة   . وكان ابن  [ ص: 553 ] زيد  يقول : إنما قيل لعاد الأولى  لأنها أول الأمم هلاكا . 
حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال قال ابن زيد  في قوله : ( أهلك عادا الأولى   )  قال : يقال : هي من أول الأمم . 
وقوله : ( وثمود فما أبقى    ) يقول - تعالى ذكره - : ولم يبق الله ثمود  فيتركها على طغيانها وتمردها على ربها مقيمة ، ولكنه عاقبها بكفرها وعتوها فأهلكها . 
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء البصرة  وبعض الكوفيين ( وثمود فما أبقى   ) بالإجراء إتباعا للمصحف ، إذ كانت الألف مثبتة فيه ، وقرأه بعض عامة الكوفيين  بترك الإجراء . وذكر أنه في مصحف عبد الله بغير ألف . 
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب لصحتهما في الإعراب والمعنى . وقد بينا قصة ثمود  وسبب هلاكها فيما مضى بما أغنى عن إعادته . 
				
						
						
