القول في تأويل قوله تعالى : ( أءلقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر ( 25 ) سيعلمون غدا من الكذاب الأشر ( 26 ) )
يقول - تعالى ذكره - مخبرا عن قيل ثمود : أءلقي عليه الذكر من بيننا ، يعنون بذلك : أنزل الوحي وخص بالنبوة من بيننا وهو واحد منا ، إنكارا منهم أن يكون الله يرسل رسولا من بني مكذبي رسوله صالح - صلى الله عليه وسلم - من قومه آدم .
وقوله ( بل هو كذاب أشر ) يقول : قالوا : ما ذلك كذلك ، بل هو كذاب أشر ، يعنون بالأشر : المرح ذا التجبر والكبرياء ، والمرح من النشاط .
وقد حدثني الحسن بن محمد بن سعيد القرشي قال : قلت لعبد الرحمن بن أبي حماد : ما الكذاب الأشر ؟ قال : الذي لا يبالي ما قال ، وبكسر الشين من الأشر وتخفيف الراء قرأت قراء الأمصار . وذكر عن مجاهد أنه كان يقرأه : كذاب أشر بضم الشين وتخفيف الراء ، وذلك في الكلام نظير الحذر والحذر والعجل والعجل .
والصواب من القراءة في ذلك عندنا ، ما عليه قراء الأمصار لإجماع الحجة من القراء عليه . [ ص: 591 ]
وقوله ( سيعلمون غدا من الكذاب الأشر ) يقول - تعالى ذكره - : قال الله لهم : ستعلمون غدا في القيامة من الكذاب الأشر منكم معشر ثمود ، ومن رسولنا صالح حين تردون على ربكم ، وهذا التأويل تأويل من قرأه ( ستعلمون ) بالتاء ، وهي قراءة عامة أهل الكوفة سوى عاصم . أما تأويل ذلك على قراءة من قرأه بالياء ، وهي قراءة عامة قراء والكسائي أهل المدينة والبصرة وعاصم ، فإنه قال الله ( والكسائي سيعلمون غدا من الكذاب الأشر ) وترك من الكلام ذكر " قال الله " ، استغناء بدلالة الكلام عليه .
والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان معروفتان ، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب ، لتقارب معنييهما ، وصحتهما في الإعراب والتأويل .