القول في تأويل قوله تعالى : ( فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر ( 29 ) فكيف كان عذابي ونذر ( 30 ) إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر ( 31 ) )
يقول - تعالى ذكره - : فنادت ثمود صاحبهم عاقر الناقة قدار بن سالف ليعقر الناقة حضا منهم له على ذلك . [ ص: 593 ]
وقوله ( فتعاطى فعقر ) يقول : فتناول الناقة بيده فعقرها .
وقوله ( فكيف كان عذابي ونذر ) يقول جل ثناؤه لقريش : فكيف كان عذابي إياهم معشر قريش حين عذبتهم ألم أهلكهم بالرجفة . " ونذر " يقول : فكيف كان إنذاري من أنذرت من الأمم بعدهم بما فعلت بهم وأحللت بهم من العقوبة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد قال : ثنى أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله ( فتعاطى فعقر ) قال : تناولها بيده ( فكيف كان عذابي ونذر ) قال : يقال : إنه ولد زنية فهو من التسعة الذين كانوا يفسدون في الأرض ، ولا يصلحون ، وهم الذين قالوا لصالح ( لنبيتنه وأهله ) ولنقتلنهم .
وقوله ( إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة ) وقد بينا فيما مضى أمر الصيحة ، وكيف أتتهم ، وذكرنا ما روي في ذلك من الآثار ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع .
وقوله ( فكانوا كهشيم المحتظر ) يقول - تعالى ذكره - فكانوا بهلاكهم بالصيحة بعد نضارتهم أحياء ، وحسنهم قبل بوارهم كيبس الشجر الذي حظرته بحظير ، حظرته بعد حسن نباته ، وخضرة ورقه قبل يبسه .
وقد اختلف أهل التأويل في المعني بقوله ( كهشيم المحتظر ) فقال بعضهم : عنى بذلك : العظام المحترقة ، وكأنهم وجهوا معناه إلى أنه مثل هؤلاء القوم بعد هلاكهم وبلائهم بالشيء الذي أحرقه محرق في حظيرته .
ذكر من قال ذلك :
حدثني سليمان بن عبد الجبار قال : ثنا محمد بن الصلت قال : ثنا أبو كدينة قال : ثنا قابوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( كهشيم المحتظر ) [ ص: 594 ] قال : كالعظام المحترقة .
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثنى أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله ( فكانوا كهشيم المحتظر ) قال : المحترق . ولا بيان عندنا في هذا الخبر عن ابن عباس ، كيف كانت قراءته ذلك ، إلا أنا وجهنا معنى قوله هذا على النحو الذي جاءنا من تأويله قوله ( كهشيم المحتظر ) إلى أنه كان يقرأ ذلك كنحو قراءة الأمصار ، وقد يحتمل تأويله ذلك كذلك أن يكون قراءته كانت بفتح الظاء من المحتظر ، على أن المحتظر نعت للهشيم ، أضيف إلى نعته ، كما قيل : ( إن هذا لهو حق اليقين ) قد ذكر عن الحسن وقتادة أنهما كانا يقرآن ذلك كذلك ، ويتأولانه هذا التأويل الذي ذكرناه عن ابن عباس .
حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث قال : ثني أبي ، عن الحسن قال : كان قتادة يقرأ ( كهشيم المحتظر ) يقول : المحترق .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( فكانوا كهشيم المحتظر ) يقول : كهشيم محترق .
وقال آخرون : بل عنى بذلك التراب . الذي يتناثر من الحائط .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران ، عن يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير ( كهشيم المحتظر ) قال : التراب الذي يتناثر من الحائط .
وقال آخرون : بل هو حظيرة الراعي للغنم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق وأسنده ، قال ( المحتظر ) حظيرة الراعي للغنم .
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : [ ص: 595 ] سمعت الضحاك يقول في قوله ( كهشيم المحتظر ) المحتظر : الحظيرة تتخذ للغنم فتيبس ، فتصير كهشيم المحتظر ، قال : هو الشوك الذي تحظر به العرب حول مواشيها من السباع . والهشيم : يابس الشجر الذي فيه شوك ذلك الهشيم .
وقال آخرون : بل عنى به هشيم الخيمة ، وهو ما تكسر من خشبها .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، عن مجاهد في قوله ( كهشيم المحتظر ) قال : الرجل يهشم الخيمة .
وحدثني الحارث قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله ( كهشيم المحتظر ) الهشيم : الخيمة .
وقال آخرون : بل هو الورق الذي يتناثر من خشب الحطب .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران ، عن سفيان ( كهشيم ) قال : الهشيم : إذا ضربت الحظيرة بالعصا تهشم ذاك الورق فيسقط . والعرب تسمي كل شيء كان رطبا فيبس هشيما .