القول في فبأي آلاء ربكما تكذبان ( 13 ) خلق الإنسان من صلصال كالفخار ( 14 ) تأويل قوله تعالى : ( وخلق الجان من مارج من نار ( 15 ) فبأي آلاء ربكما تكذبان ( 16 ) )
يعني - تعالى ذكره - بقوله : ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) : فبأي نعم ربكما معشر الجن والإنس من هذه النعم تكذبان .
كما حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا سهل السراج ، عن الحسن ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) : فبأي نعمة ربكما تكذبان .
قال عبد الرحمن قال : ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عباس في قوله : ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) قال : لا بأيتها يا رب . [ ص: 23 ]
حدثنا محمد بن عباد بن موسى وعمرو بن مالك النضري قالا : ثنا يحيى بن سليمان الطائفي ، عن إسماعيل بن أمية ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : فبأي آلاء ربكما تكذبان ) إلا قالت الجن : لا بشيء من نعمة ربنا نكذب . " إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ سورة الرحمن ، أو قرئت عنده ، فقال " ما لي أسمع الجن أحسن جوابا لربها منكم ؟ " قالوا : ماذا يا رسول الله ؟ قال : " ما أتيت على قول الله : (
حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) يقول : فبأي نعمة الله تكذبان .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) يقول للجن والإنس : بأي نعم الله تكذبان .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن الأعمش وغيره ، عن مجاهد ، عن ابن عباس أنه كان إذا قرأ ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) قال : لا بأيتها ربنا .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) قال : الآلاء : القدرة ، فبأي آلائه تكذب ، خلق لكم كذا وكذا ، فبأي قدرة الله تكذبان أيها الثقلان : الجن والإنس .
فإن قال لنا قائل : وكيف قيل : ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) فخاطب اثنين ، وإنما ذكر في أول الكلام واحد ، وهو الإنسان ؟ قيل : عاد بالخطاب في قوله : ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) إلى الإنسان والجان ، ويدل على أن ذلك كذلك ما بعد هذا من الكلام ، وهو قوله : ( خلق الإنسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار ) . وقد قيل : إنما جعل الكلام خطابا لاثنين ، وقد ابتدئ الخبر عن واحد ؛ لما قد جرى من فعل العرب تفعل ذلك ، وهو أن يخاطبوا الواحد بفعل الاثنين ، فيقولون : خلياها يا غلام ، وما أشبه ذلك ، مما قد بيناه من كتابنا هذا في غير موضع . [ ص: 24 ]
وقوله : ( خلق الإنسان من صلصال كالفخار ) يقول - تعالى ذكره - : خلق الله الإنسان وهو آدم من صلصال : وهو الطين اليابس الذي لم يطبخ ، فإنه من يبسه له صلصلة إذا حرك ونقر كالفخار ، يعني أنه من يبسه - وإن لم يكن مطبوخا كالذي قد طبخ بالنار - فهو يصلصل كما يصلصل الفخار ، والفخار : هو الذي قد طبخ من الطين بالنار .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني عبيد الله بن يوسف الجبيري قال : ثنا محمد بن كثير قال : ثنا مسلم - يعني - الملائي ، عن مجاهد ، عن ابن عباس في قوله : ( من صلصال كالفخار ) قال : هو من الطين الذي إذا مطرت السماء فيبست الأرض كأنه خزف رقاق .
حدثنا أبو كريب قال : ثنا عثمان بن سعيد قال : ثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : خلق الله آدم من طين لازب ، واللازب : اللزج الطيب من بعد حمأ مسنون منتن .
قال : وإنما كان حمأ مسنونا بعد التراب . قال : فخلق منه آدم بيده . قال : فمكث أربعين ليلة جسدا ملقى ، فكان إبليس يأتيه فيضربه برجله فيصلصل فيصوت . قال : فهو قول الله - تعالى - : ( كالفخار ) يقول : كالشيء المنفرج الذي ليس بمصمت .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا محمد بن سعيد وعبد الرحمن قالا : ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن مسلم البطين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : الصلصال : التراب المدقق . [ ص: 25 ]
حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قال : الصلصال : التراب المدقق .
حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : ( خلق الإنسان من صلصال كالفخار ) يقول : الطين اليابس .
حدثنا هناد قال : ثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن عكرمة في قوله : ( من صلصال كالفخار ) قال : الصلصال : طين خلط برمل فكان كالفخار .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : ( من صلصال كالفخار ) والصلصال : التراب اليابس الذي يسمع له صلصلة فهو كالفخار ، كما قال الله - عز وجل - .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة في قوله : ( من صلصال كالفخار ) قال : من طين له صلصلة كان يابسا ، ثم خلق الإنسان منه .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : ابن زيد في قوله : ( من صلصال كالفخار ) قال : يبس آدم في الطين في الجنة ، حتى صار كالصلصال - وهو الفخار - والحمأ المسنون : المنتن الريح .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا محمد بن مروان قال : ثنا أبو العوام ، عن قتادة ( خلق الإنسان من صلصال كالفخار ) قال : من تراب يابس له صلصلة .
قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا شبيب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ( خلق الإنسان من صلصال كالفخار ) قال : ما عصر فخرج من بين الأصابع . ولو وجه موجه قول صلصال إلى أنه فعلال من قولهم صل اللحم : إذا أنتن وتغيرت ريحه ، كما قيل من صر الباب صرصر ، وكبكب من كب ، كان وجها ومذهبا .
وقوله : ( وخلق الجان من مارج من نار ) يقول - تعالى ذكره - : وخلق الجان من مارج من نار ، وهو ما اختلط بعضه ببعض ، من بين أحمر وأصفر [ ص: 26 ] وأخضر من قولهم : مرج أمر القوم : إذا اختلط ، ومن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لعبد الله بن عمرو " . كيف بك إذا كنت في حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأماناتهم ؟ . وذلك هو لهب النار ولسانه
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا عبد الله بن يوسف الجبيري أبو حفص قال : ثنا محمد بن كثير قال : ثنا مسلم ، عن مجاهد ، عن ابن عباس في قوله : ( من مارج من نار ) قال : من أوسطها وأحسنها .
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( وخلق الجان من مارج من نار ) يقول : خلقه من لهب النار ، من أحسن النار .
حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : ( من مارج من نار ) يقول : خالص النار .
حدثنا أبو كريب قال : ثنا عثمان بن سعيد قال : ثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك عن ابن عباس قال : خلقت الجن الذين ذكروا في القرآن من مارج من نار ، وهو لسان النار الذي يكون في طرفها إذا ألهبت .
حدثنا هناد قال : ثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن عكرمة في قوله : ( من مارج من نار ) قال : من أحسن النار .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : ( من مارج من نار ) قال : اللهب الأصفر والأخضر الذي يعلو النار إذا أوقدت .
وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله . إلا أنه قال : والأحمر . [ ص: 27 ]
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ( وخلق الجان من مارج من نار ) قال : هو اللهب المنقطع الأحمر .
قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن الضحاك في قوله : ( وخلق الجان من مارج من نار ) قال : أحسن النار .
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( من مارج من نار ) قال : من لهب النار .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( وخلق الجان من مارج من نار ) : أي من لهب النار .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الحسن في قوله : ( من مارج من نار ) قال : من لهب النار .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب ، قال قال : ابن زيد في قوله : ( وخلق الجان من مارج من نار ) قال : المارج : اللهب .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا محمد بن مروان قال : ثنا أبو العوام ، عن قتادة ( وخلق الجان من مارج من نار ) قال : من لهب من نار .
وقوله : ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) يقول - تعالى ذكره - : فبأي نعمة ربكما معشر الثقلين من هذه النعم تكذبان ؟