يقول - تعالى ذكره - : يخرج من هذين البحرين اللذين مرجهما الله ، وجعل بينهما برزخا اللؤلؤ والمرجان . واختلف أهل التأويل في صفة اللؤلؤ والمرجان ، فقال بعضهم : اللؤلؤ : ما عظم من الدر ، والمرجان : ما صغر منه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن جابر ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ( اللؤلؤ والمرجان ) قال : اللؤلؤ : العظام .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ) ، أما اللؤلؤ فعظامه ، وأما المرجان فصغاره ، وإن لله فيهما خزانة دل عليها عامة بني آدم ، فأخرجوا متاعا ومنفعة وزينة ، وبلغة إلى أجل .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة في قوله : ( يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ) قال : اللؤلؤ الكبار من اللؤلؤ ، والمرجان : الصغار منه .
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( اللؤلؤ والمرجان ) أما المرجان : فاللؤلؤ الصغار . وأما اللؤلؤ : فما عظم منه .
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ) قال : اللؤلؤ : ما عظم منه ، والمرجان : اللؤلؤ الصغار .
وحدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : المرجان : هو اللؤلؤ الصغار .
وحدثنا عمرو بن سعيد بن بشار القرشي قال : ثنا أبو قتيبة قال : ثنا عبد الله بن ميسرة الحراني قال : ثني شيخ بمكة من أهل الشأم ، أنه سمع [ ص: 34 ] كعب الأحبار يسأل عن المرجان ، فقال : هو البسذ .
قال أبو جعفر : البسذ له شعب ، وهو أحسن من اللؤلؤ .
وقال آخرون : المرجان من اللؤلؤ : الكبار ، واللؤلؤ منها : الصغار .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن موسى بن أبي عائشة ، أو قيس بن وهب ، عن مرة قال : المرجان : اللؤلؤ العظام .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : المرجان قال : ما عظم من اللؤلؤ .
حدثني محمد بن سنان القزاز قال : ثنا الحسين بن الحسن الأشقر قال : ثنا زهير ، عن جابر ، عن عبد الله بن يحيى ، عن علي وعن عكرمة ، عن ابن عباس قال : المرجان : عظيم اللؤلؤ .
وقال آخرون : المرجان : جيد اللؤلؤ .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار قال : ثنا شريك ، عن موسى بن أبي عائشة قال : سألت مرة عن اللؤلؤ والمرجان قال : المرجان : جيد اللؤلؤ .
وقال آخرون : المرجان : حجر .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن عمرو بن ميمون الأودي عن ابن مسعود ، ( اللؤلؤ والمرجان ) قال : المرجان حجر .
والصواب من القول في اللؤلؤ ، أنه هو الذي عرفه الناس مما يخرج [ ص: 35 ] من أصداف البحر من الحب . وأما المرجان : فإني رأيت أهل المعرفة بكلام العرب لا يتدافعونه أنه جمع مرجانة ، وأنه الصغار من اللؤلؤ . قد ذكرنا ما فيه من الاختلاف بين متقدمي أهل العلم . والله أعلم بصواب ذلك .
وقد زعم بعض أهل العربية ، أن اللؤلؤ والمرجان يخرج من أحد البحرين ، ولكن قيل : يخرج منهما كما يقال أكلت خبزا ولبنا ، وكما قيل :
ورأيت زوجك في الوغى متقلدا سيفا ورمحا
وليس ذلك كما ذهب إليه ، بل ذلك كما وصفت من قبل من أن ذلك يخرج من أصداف البحر ، عن قطر السماء ، فلذلك قيل : ( يخرج منهما اللؤلؤ ) يعني بهما : البحران .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن عبد الله الرازي ، عن سفيان بن جبير ، عن ابن [ ص: 36 ] عباس قال : إن السماء إذا أمطرت ، فتحت الأصداف أفواهها ، فمنها اللؤلؤ .
حدثني محمد بن إسماعيل الأحمسي قال : ثنا قال : ثنا أبو يحيى الحماني الأعمش ، عن عبد الله بن عبد الله ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : إذا نزل القطر من السماء ، تفتحت الأصداف فكان لؤلؤا .
حدثني عبد الله بن محمد بن عمرو الغزي قال : ثنا الفريابي قال : ذكر سفيان ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن عبد الله ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : إن السماء إذا أمطرت تفتحت لها الأصداف ، فما وقع فيها من مطر فهو لؤلؤ .
حدثنا محمد بن إسماعيل الفزاري قال : أخبرنا محمد بن سوار قال : ثنا محمد بن سليمان الكرخي ابن أخي عبد الرحمن بن الأصبهاني ، عن عبد الرحمن الأصبهاني ، عن عكرمة قال : ما نزلت قطرة من السماء في البحر إلا كانت بها لؤلؤة أو نبتت بها عنبرة . فيما يحسب الطبري .
واختلفت القراء في قراءة قوله : ( يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ) ، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة : " يخرج " على وجه ما لم يسم فاعله . وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة وبعض المكيين بفتح الياء .
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب ؛ لتقارب معنييهما .
وقوله : ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) يقول - تعالى ذكره - : فبأي نعم ربكما معشر الثقلين التي أنعم بها عليكم فيما أخرج لكم من منافع هذين البحرين تكذبان .
وقوله : ( وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام ) يقول - تعالى ذكره - : ولرب المشرقين والمغربين الجواري ، وهي السفن الجارية في البحار . [ ص: 37 ]
وقوله : ( المنشآت في البحر ) اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الكوفة : " المنشئات " بكسر الشين ، بمعنى : الظاهرات السير اللاتي يقبلن ويدبرن . وقرأ ذلك عامة قراء البصرة والمدينة وبعض الكوفيين ( المنشآت ) ، بفتح الشين ، بمعنى المرفوعات القلاع اللاتي تقبل بهن وتدبر .
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى متقاربتاه ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .
ذكر من قال في تأويل ذلك ما ذكرناه فيه :
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : ( المنشآت في البحر ) قال : ما رفع قلعه من السفن فهي منشآت ، وإذا لم يرفع قلعها فليست بمنشأة .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام ) يعني السفن .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام ) : يعني السفن .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام ) قال : السفن .
وقوله : ( كالأعلام ) يقول : كالجبال ، شبه السفن بالجبال ، والعرب تسمي كل جبل طويل علما . ومنه قول جرير :
إذا قطعنا علما بدا علم
[ ص: 38 ]وقوله : ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) يقول - تعالى ذكره - : فبأي نعم ربكما معشر الجن والإنس - التي أنعمها عليكم بإجرائه الجواري المنشئات في البحر جارية بمنافعكم - تكذبان .