يقول - تعالى ذكره - ( يرسل عليكما ) أيها الثقلان يوم القيامة ( شواظ من نار ) وهو لهبها من حيث تشتعل وتؤجج بغير دخان كان فيه ومنه قول : رؤبة بن العجاج
إن لهم من وقعنا أقياظا ونار حرب تسعر الشواظا
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : ( شواظ من نار ) يقول : لهب النار . [ ص: 46 ]
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( يرسل عليكما شواظ من نار ) يقول : لهب النار .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : ( شواظ من نار ) قال : لهب النار .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا أبو أحمد الزبيري قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ( يرسل عليكما شواظ من نار ) قال : اللهب المتقطع .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا حكام قال : ثنا عمرو ، عن منصور ، عن مجاهد ( يرسل عليكما شواظ من نار ) قال : الشواظ : الأخضر المتقطع من النار .
قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد في قوله : ( يرسل عليكما شواظ من نار ) قال : الشواظ : هذا اللهب الأخضر المتقطع من النار .
قال : ثنا مهران ، عن سفيان في قوله : ( يرسل عليكما شواظ من نار ) قال : الشواظ : اللهب الأخضر المتقطع من النار .
قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن الضحاك : ( الشواظ ) : اللهب .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( يرسل عليكما شواظ من نار ) : أي لهب من نار .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( شواظ من نار ) قال : لهب من نار . [ ص: 47 ]
وحدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( يرسل عليكما شواظ من نار ) قال : الشواظ : اللهب ، وأما النحاس فالله أعلم بما أراد به .
وقال آخرون : الشواظ : هو الدخان الذي يخرج من اللهب .
ذكر من قال ذلك :
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( شواظ من نار ) : الدخان الذي يخرج من اللهب ليس بدخان الحطب .
واختلفت القراء في قراءة قوله : ( شواظ ) ، فقرأ ذلك عامة قراء المدينة والكوفة والبصرة ، غير ابن أبي إسحاق ( شواظ ) بضم الشين ، وقرأ ذلك ابن أبي إسحاق ، " شواظ من نار " بكسر الشين ، وهما لغتان ، مثل الصوار من البقر ، والصوار بكسر الصاد وضمها . وأعجب القراءتين إلي ضم الشين ؛ لأنها اللغة المعروفة ، وهي مع ذلك قراءة القراء من أهل الأمصار . وعبد الله بن كثير
وأما قوله : ( ونحاس ) فإن أهل التأويل اختلفوا في المعني به ، فقال بعضهم : عني به الدخان .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عبيد المحاربي قال : ثنا موسى بن عمير ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس في قوله : ( ونحاس فلا تنتصران ) قال : النحاس : الدخان .
حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : ( ونحاس ) : دخان النار .
حدثنا أبو كريب قال : ثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد في قوله : ( ونحاس ) : قال : دخان . [ ص: 48 ]
وقال آخرون : عني بالنحاس في هذا الموضع : الصفر .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( ونحاس ) قال : النحاس : الصفر يعذبون به .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ( ونحاس ) قال : يذاب الصفر من فوق رءوسهم .
قال : ثنا حكام ، عن عمرو ، عن منصور ، عن مجاهد ( ونحاس ) قال : يذاب الصفر فيصب على رأسه .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، ( ونحاس ) : يذاب الصفر فيصب على رءوسهم .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، ( ونحاس ) قال : توعدهما بالصفر كما تسمعون أن يعذبهما به .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا محمد بن مروان قال : ثنا أبو العوام ، عن قتادة ( يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس ) قال : يخوفهم بالنار وبالنحاس .
وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال : عني بالنحاس : الدخان ، وذلك أنه - جل ثناؤه - ذكر أنه يرسل على هذين الحيين شواظ من نار ، وهو النار المحضة التي لا يخلطها دخان . والذي هو أولى بالكلام أنه توعدهم بنار هذه صفتها أن يتبع ذلك الوعد بما هو خلافها من نوعها من العذاب ، دون ما هو من غير جنسها ، وذلك هو الدخان ، والعرب تسمي الدخان نحاسا بضم النون ، ونحاسا بكسرها ، والقراء مجمعة على ضمها ، ومن النحاس بمعنى الدخان ، قول نابغة بني ذبيان : [ ص: 49 ]
يضوء كضوء سراج السلي ط لم يجعل الله فيه نحاسا
يعني : دخانا .
وقوله : ( فلا تنتصران ) يقول - تعالى ذكره - : فلا تنتصران - أيها الجن والإنس - منه ، إذا هو عاقبكما هذه العقوبة ، ولا تستنقذان منه .
كما حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( فلا تنتصران ) قال : يعني الجن والإنس .
قال : وقوله : ( فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان ) يقول - تعالى ذكره - : فإذا انشقت السماء وتفطرت - وذلك يوم القيامة - فكان لونها لون البرذون الورد الأحمر .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني سليمان بن عبد الجبار قال : ثنا محمد بن الصلت قال : ثنا أبو كدينة ، عن قابوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( فكانت وردة كالدهان ) قال : كالفرس الورد .
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان ) يقول : تغير لونها .
حدثنا عبد الله بن أحمد بن حيويه قال : ثنا شهاب بن عباد قال : [ ص: 50 ] ثنا إبراهيم بن حميد ، عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح في قوله : ( وردة كالدهان ) قال : كلون البرذون الورد ، ثم كانت بعد كالدهان .
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( فكانت وردة كالدهان ) يقول : تتغير السماء فيصير لونها كلون الدابة الوردة .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وردة كالدهان ) : هي اليوم خضراء كما ترون ، ولونها يوم القيامة لون آخر .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا محمد بن مروان قال : ثنا أبو العوام ، عن قتادة في قوله : ( فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان ) قال : هي اليوم خضراء ، ولونها يومئذ الحمرة .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( وردة كالدهان ) قال : إنها اليوم خضراء ، وسيكون لها يومئذ لون آخر .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد فى قوله : ( فكانت وردة كالدهان ) قال : مشرقة كالدهان .
واختلف أهل التأويل في معنى قوله : ( كالدهان ) ، فقال بعضهم : معناه : كالدهن صافية الحمرة مشرقة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : ( وردة كالدهان ) قال : كالدهن .
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( كالدهان ) يعني : خالصة .
وقال آخرون : عني بذلك : فكانت وردة كالأديم ، وقالوا : الدهان [ ص: 51 ] جماع ، واحدها دهن .
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : عني به الدهن في إشراق لونه ؛ لأن ذلك هو المعروف في كلام العرب .
وقوله : ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) يقول - تعالى ذكره - : فبأي قدرة ربكما معشر الجن والإنس - على ما أخبركم بأنه فاعل بكم - تكذبان .