يقول - تعالى ذكره - : يقال لهؤلاء المجرمين الذين أخبر - جل ثناؤه - أنهم يعرفون يوم القيامة بسيماهم حين يؤخذ بالنواصي والأقدام : هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون ، فترك ذكر " يقال " اكتفاء بدلالة الكلام عليه منه ، وذكر أن ذلك في قراءة عبد الله : " وهذه جهنم التي كنتما بها تكذبان تصليانها لا تموتان فيها ولا تحييان " .
وقوله : ( يطوفون بينها وبين حميم آن ) يقول - تعالى ذكره - : يطوف هؤلاء المجرمون الذين وصف صفتهم في جهنم بين أطباقها ( وبين حميم آن ) يقول : وبين ماء قد أسخن وأغلي حتى انتهى حره وأنى طبخه ، وكل شيء قد أدرك وبلغ فقد أنى ، ومنه قوله : ( غير ناظرين إناه ) يعني : إدراكه وبلوغه . كما قال : نابغة بني ذبيان :
ويخضب لحية غدرت وخانت بأحمر من نجيع الجوف آني
[ ص: 54 ]يعني : مدرك .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : ( وبين حميم آن ) يقول : انتهى حره .
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( وبين حميم آن ) يقول : غلى حتى انتهى غليه .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : ( وبين حميم آن ) قال : قد بلغ إناه .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد قال : الآني الذي قد انتهى حره .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا شبيب ، عن بشر ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ( يطوفون بينها وبين حميم آن ) قال : الآني : ما اشتد غليانه ونضجه .
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( حميم آن ) : هو الذي قد انتهى غليه .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا محمد بن مروان قال : ثنا أبو العوام ، عن قتادة ( وبين حميم آن ) قال : أنى طبخها منذ يوم خلق الله السماوات والأرض . [ ص: 55 ]
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( يطوفون بينها وبين حميم آن ) يقول : حميم قد أنى طبخه منذ خلق الله السماوات والأرض .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الحسن ( حميم آن ) يقول : حميم قد آن منتهى حره .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران ، عن سفيان ( حميم آن ) قال : قد انتهى حره .
وقال بعضهم : عنى بالآني الحاضر .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( يطوفون بينها وبين حميم آن ) قال : يطوفون بينها وبين حميم حاضر . الآني : الحاضر .
وقوله : ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) يقول : فبأي نعم ربكما معشر الجن والإنس التي أنعمها عليكم - بعقوبته أهل الكفر به ، وتكريمه أهل الإيمان به - تكذبان .