القول في تأويل لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ( 29 ) ) قوله تعالى : (
يقول - تعالى ذكره - للمؤمنين به وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - من أهل الكتاب : يفعل بكم ربكم هذا لكي يعلم أهل الكتاب أنهم لا يقدرون على شيء من فضل الله الذي آتاكم وخصكم به ؛ لأنهم كانوا يرون أن الله قد فضلهم على جميع الخلق ، فأعلمهم الله - جل ثناؤه - أنه قد آتى أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - من الفضل والكرامة ، ما لم يؤتهم ، وأن أهل الكتاب حسدوا المؤمنين لما نزل قوله : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم ) فقال الله - عز وجل - : [ ص: 214 ] فعلت ذلك ليعلم أهل الكتاب أنهم لا يقدرون على شيء من فضل الله .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله ) الآية . قال : لما نزلت هذه الآية حسد أهل الكتاب المسلمين عليها ، فأنزل الله - عز وجل - ( لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون ) الآية . قال : ذكر لنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : " إنما مثلنا ومثل أهل الكتابين قبلنا كمثل رجل استأجر أجراء ، يعملون إلى الليل على قيراط ، فلما انتصف النهار سئموا عمله وملوا ، فحاسبهم ، فأعطاهم على قدر ذلك ، ثم استأجر أجراء إلى الليل على قيراطين ، يعملون له بقية عمله ، فقيل له ما شأن هؤلاء أقلهم عملا وأكثرهم أجرا ؟ قال : مالي أعطي من شئت ، فأرجو أن نكون نحن أصحاب القيراطين " .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( كفلين من رحمته ) قال : بلغنا أنها حين نزلت حسد أهل الكتاب المسلمين ، فأنزل الله ( لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله ) .
حدثنا أبو عمار قال : ثنا الفضل بن موسى ، عن سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ( لئلا يعلم أهل الكتاب ) : الذين يتسمعون ( ألا يقدرون على شيء من فضل الله ) .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس مثله .
وقيل ( لئلا يعلم ) إنما هو ليعلم . وذكر أن ذلك في قراءة عبد الله " لكي يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون " ؛ لأن العرب تجعل " لا " صلة في كل كلام دخل في أوله أو آخره جحد غير مصرح ، كقوله في الجحد السابق ، الذي لم يصرح [ ص: 215 ] به ( ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك ) وقوله : ( وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون ) وقوله : ( وحرام على قرية أهلكناها ) الآية . ومعنى ذلك : أهلكناها أنهم يرجعون .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : ثنا قال : أخبرنا ابن علية أبو هارون الغنوي قال : قال خطاب بن عبد الله : ( لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله ) .
قال : ثنا ، عن ابن علية أبي المعلى قال : كان سعيد بن جبير يقول " لكيلا يعلم أهل الكتاب " .
وقوله : ( وأن الفضل بيد الله ) يقول - تعالى ذكره - : وليعلموا أن الفضل بيد الله دونهم ، ودون غيرهم من الخلق ، ( يؤتيه من يشاء ) يقول : يعطي فضله ذلك من يشاء من خلقه ، ليس ذلك إلى أحد سواه ، ( والله ذو الفضل العظيم ) يقول - تعالى ذكره - : والله ذو الفضل على خلقه ، العظيم فضله .
آخر تفسير سورة الحديد .