القول في تأويل قوله تعالى : ( والله على كل شيء قدير وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء ( 6 ) )
يقول - تعالى ذكره - : والذي رده الله على رسوله منهم ، يعني من أموال بني النضير ، يقال منه : فاء الشيء على فلان : إذا رجع إليه ، وأفأته أنا عليه : إذا رددته عليه . وقد قيل : إنه عنى بذلك أموال قريظة ( فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ) يقول : فما أوضعتم فيه من خيل ولا في إبل وهي الركاب . وإنما وصف - جل ثناؤه - الذي أفاءه على رسوله منهم بأنه لم يوجف عليه بخيل من أجل أن المسلمين لم يلقوا في ذلك حربا ، ولا كلفوا فيه مئونة ، وإنما كان القوم معهم ، وفي بلدهم ، فلم يكن فيه إيجاف خيل ولا ركاب .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ) الآية . يقول : ما قطعتم إليها واديا ، ولا سرتم إليها سيرا ، وإنما كان حوائط لبني النضير طعمة أطعمها الله رسوله ، ذكر لنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : " . " أيما قرية أعطت الله ورسوله ، فهي لله ولرسوله ، وأيما قرية فتحها المسلمون عنوة فإن لله خمسه ولرسوله ، وما بقي غنيمة لمن قاتل عليها
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الزهري في قوله : ( فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ) قال : صالح النبي - صلى الله [ ص: 274 ] عليه وسلم - أهل فدك وقرى قد سماها لا أحفظها ، وهو محاصر قوما آخرين ، فأرسلوا إليه بالصلح قال : ( فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ) يقول : بغير قتال . قال الزهري : فكانت بنو النضير للنبي - صلى الله عليه وسلم - خالصة لم يفتحوها عنوة ، بل على صلح ، فقسمها النبي - صلى الله عليه وسلم - بين المهاجرين لم يعط الأنصار منها شيئا ، إلا رجلين كانت بهما حاجة .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة قال : ثني محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن رومان ( وما أفاء الله على رسوله منهم ) ، يعني بني النضير ( فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير ) .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : ( فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ) قال : يذكر ربهم أنه نصرهم ، وكفاهم بغير كراع ، ولا عدة في قريظة وخيبر ، ما أفاء الله على رسوله من قريظة ، جعلها لمهاجرة قريش .
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير ) قال : أمر الله - عز وجل - نبيه بالسير إلى قريظة والنضير ، وليس للمسلمين يومئذ كثير خيل ولا ركاب ، فجعل ما أصاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحكم فيه ما أراد ، ولم يكن يومئذ خيل ولا ركاب يوجف بها . قال : والإيجاف : أن يوضعوا السير ، وهي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان من ذلك خيبر وفدك وقرى عربية ، وأمر الله رسوله أن يعد لينبع ، فأتاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاحتواها كلها ، فقال ناس : هلا قسمها ، فأنزل الله - عز وجل - عذره ، فقال : ( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ) [ ص: 275 ] ثم قال : ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) . . . الآية .
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ) يعني : يوم قريظة .
وقوله : ( ولكن الله يسلط رسله على من يشاء ) أعلمك أنه كما سلط محمدا - صلى الله عليه وسلم - على بني النضير ، يخبر بذلك - جل ثناؤه - أن ما أفاء الله عليه من أموال لم يوجف المسلمون بالخيل والركاب من الأعداء مما صالحوه عليه له خاصة يعمل فيه بما يرى . يقول : فمحمد - صلى الله عليه وسلم - إنما صار إليه أموال بني النضير بالصلح لا عنوة ، فتقع فيها القسمة . ( والله على كل شيء قدير ) يقول : والله على كل شيء أراده ذو قدرة لا يعجزه شيء ، وبقدرته على ما يشاء سلط نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - على ما سلط عليه من أموال بني النضير ، فحازه عليهم .