يقول تعالى ذكره : فتنادى هؤلاء القوم وهم أصحاب الجنة . يقول : نادى بعضهم بعضا مصبحين ، يقول : بعد أن أصبحوا ( أن اغدوا على حرثكم ) وذلك الزرع ( إن كنتم صارمين ) يقول : إن كنتم حاصدي زرعكم ( فانطلقوا وهم يتخافتون ) يقول : فمضوا إلى حرثهم وهم يتسارون بينهم ( أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين ) يقول : وهم يتسارون يقول بعضهم لبعض : لا يدخلن جنتكم اليوم عليكم مسكين .
كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( فتنادوا مصبحين أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين فانطلقوا وهم يتخافتون ) يقول : يسرون ( أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين ) .
كما حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة قال : لما مات أبوهم غدوا عليها ، فقالوا : ( لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين ) .
واختلف أهل التأويل في معنى الحرد في هذا الموضع ، فقال بعضهم : معناه : على قدرة في أنفسهم وجد .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي عن ابن عباس ، قوله : ( وغدوا على حرد قادرين ) قال : ذوي قدرة .
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا حجاج عمن حدثه ، عن مجاهد في قول الله : ( على حرد قادرين ) قال : على جد قادرين في أنفسهم .
قال : ثنا عن ابن علية ، أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله : ( وغدوا على حرد قادرين ) قال : على جهد ، أو قال على جد .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وغدوا على حرد قادرين ) غدا القوم وهم محردون إلى جنتهم ، قادرون عليها في أنفسهم .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( وغدوا على حرد قادرين ) قال : على جد من أمرهم .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( على حرد قادرين ) على جد قادرين في أنفسهم . [ ص: 547 ]
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وغدوا على أمرهم قد أجمعوا عليه بينهم ، واستسروه ، وأسروه في أنفسهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن إبراهيم بن المهاجر ، عن مجاهد ( وغدوا على حرد قادرين ) قال : كان حرث لأبيهم ، وكانوا إخوة ، فقالوا : لا نطعم مسكينا منه حتى نعلم ما يخرج منه ( وغدوا على حرد قادرين ) على أمر قد أسسوه بينهم .
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : ( على حرد ) قال : على أمر مجمع .
حدثنا هناد ، قال : ثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن عكرمة ( وغدوا على حرد قادرين ) قال : على أمر مجمع .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وغدوا على فاقة وحاجة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، قال : قال الحسن ، في قوله : ( وغدوا على حرد قادرين ) قال : على فاقة .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : على حنق .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ( وغدوا على حرد قادرين ) قال : على حنق ، وكأن سفيان ذهب في تأويله هذا إلى مثل قول الأشهب بن رميلة :
أسود شرى لاقت أسود خفية تساقوا على حرد دماء الأساود
[ ص: 548 ]يعني : على غضب . وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة يتأول ذلك : وغدوا على منع .
ويوجهه إلى أنه من قولهم : حاردت السنة إذا لم يكن فيها مطر ، وحاردت الناقة إذا لم يكن لها لبن ، كما قال الشاعر :
فإذا ما حاردت أو بكأت فت عن حاجب أخرى طينها
وهذا قول لا نعلم له قائلا من متقدمي العلم قاله ، وإن كان له وجه ، فإذا كان ذلك كذلك ، وكان غير جائز عندنا أن يتعدى ما أجمعت عليه الحجة ، فما صح من الأقوال في ذلك إلا أحد الأقوال التي ذكرناها عن أهل العلم . وإذا كان ذلك كذلك ، وكان المعروف من معنى الحرد في كلام العرب القصد ، من قولهم : قد حرد فلان حرد فلان : [ ص: 549 ] إذا قصد قصده; ومنه قول الراجز :
وجاء سيل كان من أمر الله يحرد حرد الجنة المغله
يعني : يقصد قصدها ، صح أن الذي هو أولى بتأويل الآية قول من قال : معنى قوله : ( وغدوا على حرد قادرين ) وغدوا على أمر قد قصدوه واعتمدوه ، واستسروه بينهم ، قادرين عليه في أنفسهم .