[ ص: 662 ] القول في تأويل وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا ( 16 ) قوله تعالى : ( لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا ( 17 ) )
يقول تعالى ذكره : وأن لو استقام هؤلاء القاسطون على طريقة الحق والاستقامة ( لأسقيناهم ماء غدقا ) يقول : لوسعنا عليهم في الرزق ، وبسطناهم في الدنيا ( لنفتنهم فيه ) يقول : لنختبرهم فيه .
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم نحو الذي قلنا فيه .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا ) يعني بالاستقامة : الطاعة . فأما الغدق : فالماء الطاهر الكثير ( لنفتنهم فيه ) يقول : لنبتليهم به .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا مؤمل ، قال : ثنا سفيان ، عن عبيد الله بن أبي زياد ، عن مجاهد ( وأن لو استقاموا على الطريقة ) طريقة الإسلام ( لأسقيناهم ماء غدقا ) قال : نافعا كثيرا ، لأعطيناهم مالا كثيرا ( لنفتنهم فيه ) حتى يرجعوا إلى ما كتب عليهم من الشقاء .
حدثنا إسحاق بن زيد الخطابي ، قال : ثنا الفريابي ، عن سفيان ، عن عبيد الله بن أبي زياد ، عن مجاهد مثله .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن عبيد الله بن أبي زياد ، عن مجاهد ( وأن لو استقاموا على الطريقة ) قال : طريقة الحق ( لأسقيناهم ماء غدقا ) يقول : مالا كثيرا ( لنفتنهم فيه ) قال : لنبتليهم به حتى يرجعوا إلى ما كتب عليهم من الشقاء .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن مجاهد ، عن أبيه ، مثله .
قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن علقمة بن مرثد ، عن مجاهد ( وأن لو استقاموا على الطريقة ) قال : الإسلام ( لأسقيناهم ماء غدقا ) قال : الكثير ( لنفتنهم فيه ) قال : لنبتليهم به .
قال : ثنا مهران ، عن أبي سنان ، عن غير واحد ، عن مجاهد ( ماء غدقا ) قال [ ص: 663 ] الماء الغدق : الكثير ( لنفتنهم فيه ) حتى يرجعوا إلى علمي فيهم .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( لأسقيناهم ماء غدقا ) قال : لأعطيناهم مالا كثيرا ، قوله : ( لنفتنهم فيه ) قال : لنبتليهم .
حدثني أبو السائب ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن بعض أصحابه ، عن الأعمش ، عن المنهال ، عن سعيد بن جبير في قوله : ( وأن لو استقاموا على الطريقة ) قال : الدين ( لأسقيناهم ماء غدقا ) قال : مالا كثيرا ( لنفتنهم فيه ) يقول : لنبتليهم به .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا ) قال : لو آمنوا كلهم لأوسعنا عليهم من الدنيا . قال الله : ( لنفتنهم فيه ) يقول : لنبتليهم بها .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( لأسقيناهم ماء غدقا ) قال : لو اتقوا لوسع عليهم في الرزق ( لنفتنهم فيه ) قال : لنبتليهم فيه .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن أبي جعفر ، عن الربيع بن أنس ( ماء غدقا ) قال : عيشا رغدا .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا ) قال : الغدق : الكثير ، مال كثير ( لنفتنهم فيه ) لنختبرهم فيه .
حدثنا عمرو بن عبد الحميد الآملي ، قال : ثنا المطلب بن زياد ، عن التيمي ، قال : قال عمر رضي الله عنه في قوله : ( وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا ) قال : أينما كان الماء كان المال ، وأينما كان المال كانت الفتنة .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وأن لو استقاموا على الضلالة لأعطيناهم سعة من الرزق لنستدرجهم بها .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا المعتمر بن سليمان ، قال : سمعت عمران بن حدير ، عن أبي مجلز ، قال : وأن لو استقاموا على طريقة الضلالة . [ ص: 664 ]
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وأن لو استقاموا على طريقة الحق وآمنوا لوسعنا عليهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : ( وأن لو استقاموا على الطريقة ) قال : هذا مثل ضربه الله كقوله : ( ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ) وقوله تعالى : ( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ) والماء الغدق يعني : الماء الكثير ( لنفتنهم فيه ) لنبتليهم فيه .
وقوله : ( ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا ) يقول عز وجل : ومن يعرض عن ذكر ربه الذي ذكره به ، وهو هذا القرآن; ومعناه : ومن ، يسلكه الله عذابا صعدا : يقول : يسلكه الله عذابا شديدا شاقا . يعرض عن استماع القرآن واستعماله
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا ) يقول : مشقة من العذاب يصعد فيها .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثني أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( عذابا صعدا ) قال : مشقة من العذاب .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عن وكيع ، إسرائيل ، عن جابر ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عن وكيع ، إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ( عذابا صعدا ) قال : جبل في جهنم .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( يسلكه عذابا صعدا ) عذابا لا راحة فيه .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( عذابا صعدا ) قال : صعودا من عذاب الله لا راحة فيه .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : [ ص: 665 ] ( يسلكه عذابا ) قال : الصعد : العذاب المنصب .
واختلفت القراء في قراءة قوله : ( يسلكه ) فقرأه بعض قراء مكة والبصرة ( نسلكه ) بالنون اعتبارا بقوله : ( لنفتنهم ) أنها بالنون . وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة بالياء ، بمعنى : يسلكه الله ، ردا على الرب في قوله : ( ومن يعرض عن ذكر ربه ) .