القول في تأويل قل إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمدا ( 25 ) قوله تعالى : ( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا ( 26 ) إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ( 27 ) ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا ( 28 ) )
يقول تعالى ذكره لنبيه : قل يا محمد لهؤلاء المشركين بالله من قومك : ما أدري أقريب ما يعدكم ربكم من العذاب وقيام الساعة ( أم يجعل له ربي أمدا ) يعني غاية معلومة تطول مدتها .
وقوله : ( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول ) يعني بعالم الغيب : عالم ما غاب عن أبصار خلقه ، فلم يروه فلا يظهر على غيبه أحدا ، فيعلمه أو يريه إياه إلا من ارتضى من رسول ، فإنه يظهره على ما شاء من ذلك .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول ) فأعلم الله سبحانه الرسل من الغيب الوحي وأظهرهم عليه بما أوحى إليهم من غيبه ، وما يحكم الله ، فإنه لا يعلم ذلك غيره . [ ص: 672 ]
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول ) فإنه يصطفيهم ، ويطلعهم على ما يشاء من الغيب .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( إلا من ارتضى من رسول ) فإنه يظهره من الغيب على ما شاء إذا ارتضاه .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول ) قال : ينزل من غيبه ما شاء على الأنبياء ، أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الغيب القرآن ، قال : وحدثنا فيه بالغيب بما يكون يوم القيامة .
وقوله : ( فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ) يقول : فإنه يرسل من أمامه ومن خلفه حرسا وحفظة يحفظونه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن علقمة بن مرثد ، عن الضحاك ( إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ) قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث إليه الملك بالوحي بعث معه ملائكة يحرسونه من بين يديه ومن خلفه ، أن يتشبه الشيطان على صورة الملك .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن منصور ، عن إبراهيم ( من بين يديه ومن خلفه رصدا ) قال : ملائكة يحفظونهم من بين أيديهم ومن خلفهم .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عن وكيع ، سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ( من بين يديه ومن خلفه رصدا ) قال : الملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه من الجن .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن طلحة ، يعني ابن مصرف ، عن إبراهيم ، في قوله : ( من بين يديه ومن خلفه رصدا ) قال : الملائكة رصد من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من الجن .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ) قال : هي معقبات من الملائكة يحفظون النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 673 ] من الشيطان حتى يتبين الذي أرسل به إليهم ، وذلك حين يقول : ( ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم ) .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ) قال : الملائكة .
وقوله : ( ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم ) اختلف أهل التأويل في الذي عني بقوله : ( ليعلم ) فقال بعضهم : عني بذلك رسول صلى الله عليه وسلم وقالوا : معنى الكلام : ليعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قد أبلغت الرسل قبله عن ربها .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم ) ليعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرسل قبله قد أبلغت عن ربها وحفظت .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم ) قال : ليعلم نبي الله صلى الله عليه وسلم أن الرسل قد أبلغت عن الله ، وأن الله حفظها ، ودفع عنها .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : ليعلم المشركون أن الرسل قد بلغوا رسالات ربهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : ( ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم ) قال ليعلم من كذب الرسل أن قد أبلغوا رسالات ربهم .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : ليعلم محمد أن قد بلغت الملائكة رسالات ربهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله : ( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ) قال : أربعة حفظة من الملائكة مع جبرائيل ( ليعلم ) محمد ( أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا ) قال : وما نزل جبريل عليه السلام بشيء من الوحي إلا ومعه أربعة حفظة . [ ص: 674 ]
قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال عندنا بالصواب ، قول من قال : ليعلم الرسول أن الرسل قبله قد أبلغوا رسالات ربهم; وذلك أن قوله : ( ليعلم ) من سبب قوله : ( فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ) وذلك خبر عن الرسول ، فمعلوم بذلك أن قوله "ليعلم" من سببه؛ إذ كان ذلك خبرا عنه .
وقوله : ( وأحاط بما لديهم ) يقول : وعلم بكل ما عندهم ( وأحصى كل شيء عددا ) يقول : علم عدد الأشياء كلها ، فلم يخف عليه منها شيء .
وقد حدثنا قال : ثنا محمد بن بشار ، محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير أنه قال في هذه الآية ( إلا من ارتضى من رسول ) . . . إلى قوله : ( وأحصى كل شيء عددا ) قال : ليعلم الرسل أن ربهم أحاط بهم ، فبلغوا رسالاتهم .
آخر تفسير سورة الجن .