يقول تعالى ذكره : فما لهؤلاء المشركين بالله عن التذكرة معرضين ، مولين عنها تولية الحمر المستنفرة ( فرت من قسورة ) .
واختلفت القراء في قراءة قوله : ( مستنفرة ) ، فقرأ ذلك عامة قراء الكوفة والبصرة بكسر الفاء ، وفي قراءة بعض المكيين أيضا بمعنى نافرة .
والصواب من القول في ذلك عندنا ، أنهما قراءتان معروفتان ، صحيحتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب ، وكان الفراء يقول : الفتح والكسر في ذلك كثيران في كلام العرب ; وأنشد :
أمسك حمارك إنه مستنفر في إثر أحمرة عمدن لغرب
وقوله : ( فرت من قسورة ) اختلف أهل التأويل في معنى القسورة ، فقال بعضهم : هم الرماة . [ ص: 40 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثني أبو السائب ، قال : ثنا عن حفص بن غياث ، حجاج ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، في قوله : ( فرت من قسورة ) قال : الرماة .
حدثني ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، وحدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عن وكيع سفيان ، عن الأعمش ، عن عن أبي ظبيان ، أبي موسى ( فرت من قسورة ) قال : الرماة .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ( فرت من قسورة ) قال : هي الرماة .
قال ثنا عن وكيع ، سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عن وكيع ، سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : ( قسورة ) قال : عصبة قناص من الرماة . زاد الحارث في حديثه . قال : وقال بعضهم في القسورة : هو الأسد ، وبعضهم : الرماة .
حدثنا قال : ثنا هناد بن السري ، أبو الأحوص ، عن سماك ، عن عكرمة ، في قوله : ( فرت من قسورة ) قال : القسورة : الرماة ، فقال رجل لعكرمة : هو الأسد بلسان الحبشة ، فقال عكرمة : اسم الأسد بلسان الحبشة عنبسة .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا قال : أخبرنا ابن علية ، أبو رجاء ، عن عكرمة ، في قوله : ( فرت من قسورة ) قال : الرماة .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عن وكيع ، إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن سليمان بن عبد الله السلولي ، عن ابن عباس ، قال : هي الرماة .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( فرت من قسورة ) وهم الرماة القناص .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : [ ص: 41 ] ( فرت من قسورة ) قال : قسورة النبل .
وقال آخرون : هم القناص .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، ( فرت من قسورة ) يعني : رجال القنص .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن أبى بشر ، عن سعيد بن جبير في هذه الآية ( فرت من قسورة ) قال : هم القناص .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عن وكيع ، شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير قال : هم القناص .
وقال آخرون : هم جماعة الرجال .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا قال : ثنا ابن المثنى ، محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، وحدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عن وكيع ، شعبة ، عن أبي حمزة ، قال : سألت ابن عباس عن القسورة ، فقال : ما أعلمه بلغة أحد من العرب : الأسد ، هي عصب الرجال .
حدثنا قال : ثنا ابن المثنى ، عبد الصمد بن عبد الوارث . قال : ما أعلمه بلغة أحد من العرب الأسد هي عصب الرجال .
حدثنا قال : ثنا ابن المثنى ، عبد الصمد بن عبد الوارث ، قال : سمعت أبي يحدث ، قال : ثنا داود ، قال : ثني عباس بن عبد الرحمن مولى بني هاشم ، قال : سئل ابن عباس عن القسورة ، قال : جمع الرجال ، ألم تسمع ما قالت فلانة في الجاهلية :
يا بنت لؤي خيرة لخيره أحوالها في الحي مثل القسوره
[ ص: 42 ] وقال آخرون : هي أصوات الرجال .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن عيينة ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن ابن عباس ( فرت من قسورة ) قال : ركز الناس أصواتهم .
قال أبو كريب ، قال سفيان : ( هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا ) .
وقال آخرون : بل هو الأسد .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عن وكيع ، عن هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، ( أبي هريرة فرت من قسورة ) قال : هو الأسد .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عن هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، ابن سيلان ، أن كان يقول في قول الله : ( أبا هريرة فرت من قسورة ) قال : هو الأسد .
حدثني محمد بن معمر ، قال : ثنا هشام ، عن في قول الله : ( زيد بن أسلم ، فرت من قسورة ) قال : الأسد .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني داود بن قيس ، عن في قول الله : ( زيد بن أسلم ، فرت من قسورة ) قال : هو الأسد .
حدثني محمد بن خالد بن خداش ، قال ثني سلم بن قتيبة ، قال : ثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس ، أنه سئل عن قوله : ( فرت من قسورة ) قال : هو بالعربية : الأسد ، وبالفارسية : شار ، وبالنبطية : أريا ، وبالحبشية : قسورة .
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( فرت من قسورة ) يقول : الأسد .
حدثني أبو السائب ، قال : ثنا عن حفص بن غياث ، عن [ ص: 43 ] هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، قال : الأسد . أبي هريرة
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( فرت من قسورة ) قال : القسورة : الأسد .
وقوله : ( بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة ) يقول تعالى ذكره : ما بهؤلاء المشركين في إعراضهم عن هذا القرآن أنهم لا يعلمون أنه من عند الله ، ولكن كل رجل منهم يريد أن يؤتى كتابا من السماء ينزل عليه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة ) قال : قد قال قائلون من الناس : يا محمد إن سرك أن نتبعك فأتنا بكتاب خاصة إلى فلان وفلان ، نؤمر فيه باتباعك ، قال قتادة : يريدون أن يؤتوا براءة بغير عمل .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة ) قال : إلى فلان من رب العالمين .
وقوله : ( كلا بل لا يخافون الآخرة ) يقول تعالى ذكره : ما الأمر كما يزعمون من أنهم لو أوتوا صحفا منشرة صدقوا ، ( بل لا يخافون الآخرة ) ، يقول : لكنهم لا يخافون عقاب الله ، ولا يصدقون بالبعث والثواب والعقاب; فذلك الذي دعاهم إلى الإعراض عن تذكرة الله ، وهون عليهم ترك الاستماع لوحيه وتنزيله .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( كلا بل لا يخافون الآخرة ) إنما أفسدهم أنهم كانوا لا يصدقون بالآخرة ، ولا يخافونها ، هو الذي أفسدهم .