يقول تعالى ذكره : والمرسلات عرفا ، إن الذي توعدون أيها الناس من الأمور لواقع ، وهو كائن لا محالة ، يعني بذلك يوم القيامة ، وما ذكر الله أنه أعد لخلقه يومئذ من الثواب والعذاب .
وقوله : ( فإذا النجوم طمست ) يقول : فإذا النجوم ذهب ضياؤها ، فلم يكن لها نور ولا ضوء ( وإذا السماء فرجت ) يقول : وإذا السماء شققت وصدعت ( وإذا الجبال نسفت ) يقول : وإذا الجبال نسفت من أصلها ، فكانت هباء منبثا ( وإذا الرسل أقتت ) يقول تعالى ذكره : وإذا الرسل أجلت للاجتماع لوقتها يوم القيامة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( وإذا الرسل أقتت ) يقول : جمعت .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، [ ص: 130 ] في قول الله : ( أقتت ) قال : أجلت .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، قال : قال مجاهد ( وإذا الرسل أقتت ) قال : أجلت .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ; وحدثنا وكيع ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، جميعا عن سفيان ، عن منصور عن إبراهيم ( وإذا الرسل أقتت ) قال : أوعدت .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( وإذا الرسل أقتت ) قال : أقتت ليوم القيامة ، وقرأ : ( يوم يجمع الله الرسل ) قال : والأجل : الميقات ، وقرأ : ( يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج ) ، وقرأ : ( إلى ميقات يوم معلوم ) قال : إلى يوم القيامة ، قال : لهم أجل إلى ذلك اليوم حتى يبلغوه .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم ، في قوله : ( وإذا الرسل أقتت ) قال : وعدت .
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء المدينة غير أبي جعفر ، وعامة قراء الكوفة : ( أقتت ) بالألف وتشديد القاف ، وقرأه بعض قراء البصرة بالواو وتشديد القاف ( وقتت ) وقرأه أبو جعفر ( وقتت ) بالواو وتخفيف القاف .
والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن كل ذلك قراءات معروفات ولغات مشهورات بمعنى واحد ، فبأيتها قرأ القارئ فمصيب ، وإنما هو فعلت من الوقت ، غير أن من العرب من يستثقل ضمة الواو ، كما يستثقل كسرة الياء في أول الحرف فيهمزها ، فيقول : هذه أجوه حسان بالهمزة ، وينشد بعضهم :
يحل أحيده ويقال بعل ومثل تمول منه افتقار
[ ص: 131 ]وقوله : ( لأي يوم أجلت ) يقول تعالى ذكره معجبا عباده من هول ذلك اليوم وشدته : لأي يوم أجلت الرسل ووقتت ، ما أعظمه وأهوله; ثم بين ذلك : وأي يوم هو ؟ فقال : أجلت ( ليوم الفصل ) يقول : ليوم يفصل الله فيه بين خلقه القضاء ، فيأخذ للمظلوم من الظالم ، ويجزي المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( لأي يوم أجلت ليوم الفصل ) يوم يفصل فيه بين الناس بأعمالهم إلى الجنة وإلى النار .
وقوله : ( وما أدراك ما يوم الفصل ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وأي شيء أدراك يا محمد ما يوم الفصل ، معظما بذلك أمره ، وشدة هوله .
كما حدثني بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وما أدراك ما يوم الفصل ) تعظيما لذلك اليوم .
وقوله : ( ويل يومئذ للمكذبين ) يقول تعالى ذكره : الوادي الذي يسيل في جهنم من صديد أهلها للمكذبين بيوم الفصل .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ويل يومئذ للمكذبين ) ويل والله طويل .